سلمى أبو سليم

مشهد يبعث على الألم ,طفلة في العام الثالث من عمرها تصاب بطلقة طائشة في الرأس وتستقر في رقبتها , ثم تنقل من مستشفى السلط إلى البشير لإجراء عملية جراحية عاجلة , يتم من خلالها إخراج الطلقة ..وترقد في المستشفى الان وكما يقول الأطباء :- وضعها حرج .

سلمى أبو سليم من السلط ...كان بإمكانها أن تكبر سريعا في لمحة عين ..كان بإمكانها أن تصحو في الصباح مثلنا , وتلعب وتحظى بقبلات الوالد وربما تغفو على صدره ..كان بإمكانها ,أن (تخربش) بقلم قديم على حيطان الدار وتحاول أن ترسم شيئا , وكان بإمكانها أيضا ...أن تلعب وحدها بالمخدات وربما , في لحظة طفولة بريئة , تقذف ببعضها ..أو تنبش صوف بعضها ...
ولكنها بدلا من كل ذلك , ولحظة جلوسها مع أهلها ..تداهمها طلقة وتخترق رأسها ثم تستقر في رقبتها ...أنا لا أعرف هل يدرك مطلق الرصاص الذي إغتال الطفولة , حجم لوعة الأم ...هل يدرك حجم وجع الأب وهو يحملها إلى المشفى , والدماء على قميصه .. هل يدرك حجم ما أصابنا من وجع ونحن نرى صورة تلك الطفلة على سرير المشفى في البشير , وهي معلقة بين يدي ربها ..ترجو رحمته .
ما حدث جريمة , بكل المقاييس ...هو أعمق من جريمة لأن الضحية طفلة تعلمت المشي للتو , وما حدث ..لا يحتاج لعقاب رادع , بل يحتاج لما هو أقسى من ذلك ... إلى نشر صور الجاني والسلاح المستخدم ,كي يدرك الناس في بلادنا أن من يغتال الطفولة , قادر على إغتيال وطن وإغتيال الحياة ..
منذ عشرين عاما , والصحافة تصرخ ..والأمن العام لم يترك ورشة أو ندوة إلا وتحدث فيها عن ظاهرة إطلاق النار , حتى رأس الدولة جلالة الملك ضج بالأمر وتحدث عنه ...وفي النهاية وبكل برودة أعصاب ..يخرج أحدهم سلاحه ويطلق النار ويغتال سلمى ...
أوجعتني صورة الطفلة , وهي ممدة على السرير ..تصارع من أجل الحياة ..أوجعتني حد البكاء ...كيف يجرؤ أحدهم على إغتيال الورد والضفيرة والقصائد ..والحب , إن قبلة على خد سلمى من أبيها كافية ..كي تختصر كل الشوق وكل قصص الغرام في هذا العالم ...وإن مسك أمها المشط , وترتيب شعرها هي لحظة صباح سلطي دافىء أغلى عند الأم من كل ..مغريات الدنيا ومن كل تفاصيل الكون
أطالب ..ليس ثأرا لسلمى , ولكن ثأرا للوجع الذي يسكن صدورنا ..بنشر صورة الجاني ..حتى نعرف تلك الوجوه التي تحترف قتل الورد في بلادنا .