الذاكرة وكوميديا الأخـطـــــاء !

ما قاله سانتيانا عن الشعوب التي تكرر كوميديا الاخطاء في كل جيل يذكرنا بالخراف التي تواصل قضم العشب والتهام العلف حتى وهي تشاهد بعضها يُذبح ويفصل رأسه عن جسده، فهي لو كانت تملك ما يتيح لها الاستفادة من التاريخ لهربت ولاذت قطعانها بالفرار حتى لو ماتت جوعا، لكنها لا تفعل ذلك، والحكاية ابعد من مجرد قراءة التاريخ، فنحن احيانا نتسلى به كحكايات ونتصور ان ما مضى منه لن يعود بينما الحقيقة عكس ذلك، فما كتبه مؤرخون من طراز ابن اياس وابن الاثير وابن جبير وسائر الابناء تكرر لكن بصور هزلية، واصبح المضحك المبكي كما قال المتنبي في وصف زمانه ! ان المرض العضال الذي انتشر في ثقافتنا وافقدنا المناعة هو ما يمكن تسميته اوهام الاستثناء، بحيث يتصور كل فرد ان ما اصاب سواه لن يصل اليه، وانتقلت هذه العدوى الى نظم سياسية واحزاب ودول، ونذكر مثلا ان الناطقين باسم نظام مبارك قالوا ان مصر ليست تونس، وتكرر هذا القول في بضع عواصم ! ان اوهام الاستثناء تفقدنا القدرة على احتمال المرض والفقدان وكل المصائب، لأننا غير مؤهلين للتأقلم معها باعتبارنا الاستثناء !! وربما كان هذا الوهم من المصادر التي تغذي التخلف خصوصا اذا كان الفقهاء المنوط بهم التحديث والتنوير اشبه ببغال تجر العربة الى الوراء، وعندئذ يصبح حاميها حراميها وعبد المعين يبحث عمّن يعينه، وفاقد الشيء يعد باعطاء ما فقده منذ زمن طويل وهو لا يعلم ! ان مقولة سانتيانا عن تكرار كوميديا الاخطاء في التاريخ تصح على البشر كما تصح على كثير من الكائنات، فالدجاج تأقلم مع فكرة واحدة هي سبب وجوده في هذا الكون وهي الذبح، وكذلك الخراف . واذا وصل الادميون الى هذا التأقلم مع السكين فمن حقنا ان نقول له وداعا والى الأبد !!