الحديث عن الجزائر



استمعت لحديث الدكتور «نور الدين حاروش» الأكاديمي والباحث الجزائري ليلة أمس في محاضرة عن التجربة الحزبية في الجزائر في مركز «زمزم للدراسات» حيث استطاع أن يجمع بين البحث العلمي الأكاديمي من جهة والتجربة العملية والممارسة الفعلية في الواقع السياسي الجزائري من جهة أخرى، فجاء حديثه غنياً مكتملاً.
التجارب الحزبية في العالم العربي تكاد تكون متشابهة في النشأة والفكر والأثر والمشاكل والمعوقات، حيث أنها جميعاً لم تصل إلى مرحلة تداول السلطة الحقيقي، ولم تصل إلى مرحلة النضج السياسي القائم على التنافس البرامجي ضمن إطار الدولة ومؤسساتها ومنظومتها التشريعية على وجه العموم.
السمة الأولى التي تكاد تتشابه إلى حد التطابق أن الأنظمة الحاكمة في معظم الأقطار العربية جاءت بعد انهيار الامبراطورية العثمانية ومجيء الاستعمار البريطاني والفرنسي إلى المنطقة، حيث أنها كانت وليدة مرحلة انتقالية بين مرحلتين متباينتين؛ مرحلة الاستعمار والانتداب والوصاية ومرحلة تشكيل الدولة الوطنية القطرية، واستمرت الأنظمة من تلك المرحلة إلى الوقت الحاضر في الأعم الأغلب دون التفات إلى تنمية الحياة الحزبية الحقيقية، وبقيت الأنظمة تتعامل مع الأحزاب ضمن خانة العداوة والإقصاء وعدم السماح لها بالنمو الطبيعي وممارسة أنشطتها التي تسمح لها بالمنافسة، وهناك بعض الأنظمة التي خضعت لحكم الحزب الواحد الأوحد الذي عمد إلى محاربة كل المنافسين وإضعافهم من أجل الاستئثار بالسلطة إلى الأبد.
السمة الثانية المشتركة أن الأحزاب التي نشأت ونمت في الواقع السياسي العربي، كانت تعبر عن أشواق التحرر من الاستعمار وبقايا الاستعمار ومخلفاته، فكان الخطاب الحزبي يمتلىء بالعاطفة وتأجيج الشعور القومي، ومن ثم جاءت مرحلة تأجيج العواطف الدينية التي قامت على خطاب المخلّص، حيث أن الجماهير العربية التي كانت تنتظر مجيء الخلاص على يد القائد الفرد الملهم مثل صلاح الدين الأيوبي أو المظفر قطز أو الظاهر بيبرس، فتعلقت الجماهير العربية بشخصية جمال عبد الناصر أو صدام حسين، أو محاولة نسخ شخصيات مشابهة عبر التعبئة والإثارة العاطفية والتأجيج الثوري أحياناً الذي ألهب مشاعر الجماهير حتى أنهم كانوا يرون صورة الزعيم على وجه القمر، ثم انتقلت الجماهير إلى البحث عن الخلاص عند بعض التجمعات والقوى القومية أو الدينية، وكل فئة تحاول إقناع الشعوب أنها تملك مفاتيح النهضة وكنوز الرفاه.
السمة الثالثة المشتركة أن الأحزاب العربية الحالية ما زالت امتداداً لتلك الحالة السابقة، ولم تستطع الانتقال إلى مرحلة التمكين الشعبي، بمعنى آخر أن الأحزاب والأنظمة بقيت تعيش لعبة القط والفأر، ولم تستطع الشعوب والدول والأحزاب الانتقال إلى تمليك الشعوب العربية السلطة الحقيقية الكاملة، ولم تستطع تغيير أسس التجميع والحشد على أسس برامجية، وما زالت كثير من أحزابنا العربية تعبر عن أديان ومذاهب وطوائف وأعراق وجهات، ولم تنتقل الدولة الوطنية إلى الدولة العصرية بمعناها السياسي، وما زالت الحالة السياسية أقرب إلى المشيخات والقبائل والاقطاع التي تنتسب إلى العصور الوسطى، وما الأحزاب إلّا عبارة عن إفراز متخلف لهذه الحالة العامة.
ليس أمامنا خيار إذا أردنا البقاء على قيد الحياة إلّا أن ننظر إلى المستقبل من خلال الإجماع والتوافق الشعبي على إيجاد الدولة الحديثة وترسيخ الديمقراطية الحقيقية القائمة على معنى التعايش مع الاختلاف والاعتراف بالتعددية، ورد السلطة إلى الشعوب، وتأسيس الأحزاب المدنية التي تتنافس ضمن إطار الدولة وتحت سقف الدولة والدستور والقانون، والعمل على إرساء قواعد التنافس البرامجي البعيد عن منطق المحاصصة، والبعيد عن التمثيل الديني والمذهبي والطائفي، وضرورة الذهاب إلى أولوية محاربة الفرقة والتعصب والتخلف بشكل جماعي حاسم حتى نتمكن من الإمساك بخيوط النجاه من مقصلة الفناء والاندثار.

 

 
- See more at: http://www.addustour.com/17957/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB+%D8%B9%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1.html#sthash.3Cto1FPN.dpuf