رنا الصباغ : مكافحة الفساد تحتاج الدعم بعد أن نخز بينو مدبرة النحل

 

أخبار البلد- تحتاج هيئة مكافحة الفساد الاسناد بعد أن فتح مديرها سميح بينو أبواب مدبرة النحل على مصارعيها, حين اتخذ إجراءات حيال ملفات تحمل شبهة فساد أبطالها شخصيات من طبقة رجال الحكم السابقين والحاليين وحلفائهم من رجال أعمال اعتقدوا لسنوات أنهم فوق القانون.

فمن منا كان يعتقد أن يأتي يوم نستمع فيه إلى شهادة رئيس وزراء عامل د. معروف البخيت, في قضية أحالها هو شخصيا للتحقيق تتعلق بمشروع الكازينو الشهير الذي لم ينجز وينذر بتخسير الخزينة ملايين الدنانير? ومن كان يحلم بأن توجه الهيئة استفسارات لوزيري الداخلية والصحة بخصوص السماح للسجين خالد شاهين بالسفر للعلاج, بدعوى خطورة حالته الصحية, قبل أن يلمح وهو يتعشى في أحد مطاعم لندن ويتسوق في متاجرها.

د. البخيت, الذي تفجّرت أزمة الكازينو في أواخر عهد حكومته الاولى, قبل أن تعود لتلاحقه في بداية حكومته الثانية التي تشكلت قبل شهور, أجاب على جميع تساؤلات فريق الهيئة "بوضوح" وقدّم معلوماته بخصوص هذا المشروع. بعد استكمال عشرات الشهادات, حوّلت الهيئة الملف لمجلس النوّاب, صاحب الاختصاص الدستوري في النظر في قضايا تنطوي على شبهات فساد ضد وزراء سابقين وعاملين.

لكن الفرحة لم تتم.

اليوم تظهر بوادر أزمة بين الهيئة ولجنة التحقيق في قضية الكازينو داخل مجلس النواب, التي قررت على عجل رد الملف للهيئة ما اعتبره رئيس اللجنة القانونية النائب المخضرم عبد الكريم الدغمي خطأ غير مقصود في الاجتهاد.

يتزامن ذلك مع تعرض الهيئة لإرهاصات حملة منظمة, من جهات مختلفة, في ضوء تزايد الشعور لدى قوى أحالت البلاد إلى مزرعة فساد خلال العقدين الماضيين, بأن مهمة الهيئة باتت تتخذ منحى جديا, ربما لأول مرة منذ تأسيسها عام .2007 تجلّى ذلك منذ تسلم ضابط المخابرات والنائب السابق منصبه في أيلول ,2010 وسط رسالة سياسية ب¯أن أيا من مراكز النفوذ لم يعد محصنا في عصر تداخل السلطة بالبزنس.

بدأت هذه الاصوات تشكو من عمل الهيئة التي تعاظم دورها منذ أن أعلن الملك عبد الله الثاني, على وقع تنامي شكاوى شعبه واحتجاجات الشارع المطالبة بمحاكمة الفاسدين, بأن لا أحد فوق القانون وأن الفساد والرشوة بحاجة لمكافحة, حتى لو كانت الشبهات تحوم حول عاملين في الديوان الملكي.

خلال الاسابيع الماضية, تكّشفت لدى الهيئة أسرار لم تعلن حتى الان تمس عشرات القضايا المثيرة وتبرز النهب المنظم لخزينة مثقلة بديون, في مختلف القطاعات, وداخل الشركات المساهمة العامة.

بعض هذه الاصوات تردّد بأن الباشا بينو ومجلس مفوضيه "كبروا" كثيرا وباتوا لا يخشون أحدا. وهي تشتكي من أن حملة مكافحة الفساد باتت تخرب على المستثمرين, وتلطخ سمعة الناس - بمن فيهم أبرياء قد تثبت براءتهم لاحقا.

لكن هذه الاصوات ربما تناست أن الفاسدين و"شلة الكوميسيونجيه" المدعومين هم من خربوا سمعة البلد, وطردوا المستثمرين بممارساتهم, التى حرمت الاردن ومواطنيه من قطف ثمار التنمية الاقتصادية.

أما بينو, فلا يبدو أنه ومفوضيه سيستسلمون لمحاولات التخريب والترهيب. هذا الرجل المعروف باستقامته وعناده يأخذ مهمته على محمل الجد, متكئا إلى إرادة سياسية عليا, حسب التصريحات الملكية.

بل على العكس, المطلوب الان توسيع صلاحيات الهيئة, ودعمها بالمعلومات والوثائق لاختزال الوقت في تتبع خيوط الفساد, فضلا عن تسلحيها على كل المستويات: السياسية, والمعنوية والمالية واللوجستيه حتى تكون فاعلة, لا مجرد ديكور لخلق انطباعات في الداخل والخارج حول حملات مكافحة الفساد.

لذلك ينتظر الاردنيون طحنا بعد كل هذه الجعجعة. فمن الخطر لفلفة القضايا بعد أن رفعت الحكومة مستوى توقعات الشارع بفتحها عشرات الملفات, على منوال "تمخض الجمل فولد فأرا".

الهيئة قررت اتخاذ زمام المبادرة وعرضت على ديوان التشريع والرأي مشروع قانون يتضمن تعديل حزمة مواد في القانون الحالي وإدراج نحو 29 مادة جديدة. بحسب المعلومات التي حصلت عليها كاتبة المقال, فإن التعديلات تستهدف زيادة فعالية الهيئة في مكافحة الفساد والوقاية منه, وأيضا مواءمة أحكامه مع نصوص اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد, التي صادق عليها الاردن قبل غيره من دول المنطقة.

فبينو وطاقمه وجدوا أنفسهم يعملون ضمن قانون مليء بالثغرات ما يعطل حركتهم كمن يجلس داخل سيارة سباق فخمة مجهّزة بالاضافات الفاخرة, لكنها خالية من الوقود.

مشروع القانون المقترح الذي أرسل قبل ستة أسابيع يتضمن مواد تصبغ صفة التجريم على ممارسات لم تكن مجرمة بموجب التشريعات القائمة. من بينها الرشوة في القطاع الخاص والشركات المساهمة العامة, ما يوفر الحماية لحقوق المساهمين, ويعزز مبدأ الشفافية والحاكمية الرشيدة. فالفساد, بعكس الانطباعات السائدة, لا يقتصر على القطاع العام والموظف الرسمي, بل ينخر القطاع الخاص. إذ أن رجال أعمال وأصحاب وكالات يجلسون في مجالس إدارة العديد من هذه الشركات, وغالبا ما تبتعد عمليات إحالة العطاءات بملايين الدنانير عن النزاهة والشفافية.

وتقع العجائب من خلال أنظمة اللوازم والمشتريات التي تقررها مجالس إدارات هذه الشركات, فتخرج الاموال من الجيب الايمن لتعود إلى الايسر, مضافاً إليها هوامش أرباح خيالية. لذلك من شأن تجريم هذه الالتفافات زيادة القدرة التنافسية لاقتصاد الاردن وطمأنة مستثمرين ترددوا كثيرا في جلب استثماراتهم إلى المملكة.

وتطلب الهيئة أيضا تجريم فعل الامتناع عن الافصاح بوجود تعارض في المصالح, بخاصة لدى طرح عطاءات الشركات المساهمة العامة, وفي مختلف مجالس الهيئات الادارية لبعض المؤسسات العامة, حيث يحجم عضو مجلس الادارة صاحب الصلاحية الافصاح عن امتلاكه, أو احد فروعه أو أصوله, للشركة المتقدمة للعطاء, ما يؤثر سلباً على اتخاذ القرار المناسب. وتطالب الهيئة بضمان الحماية للمبلغين, والشهود والخبراء في قضايا الفساد, وتحصينهم من انتقام المدير.

يتضمن ذلك إخفاء مكان إقامتهم, عملهم, هويتهم, والسماح لهم بالادلاء بشهاداتهم عبر تقنيات الاتصال الحديثة. وثمة مقترح مواز بتشديد العقوبة على من يفشي معلومات عن أماكن تواجد هؤلاء الشهود والخبراء. كذلك تتضمن التعديلات وقف الملاحقة والاعفاء من العقوبة مقابل استعادة الاموال المنهوبة ومنافعها. هذا بدوره سيسهم في حرمان الفاسد من التمتع بثمار فساده بعد انتهاء مدة محكوميته في السجن. كما تدعو الهيئة إلى وقف الملاحقة في حال أبلغ شخص متواطئ الهيئة طواعية بوجود فساد قبل اكتشافه, وساهم ذلك البلاغ في استعادة كامل الاموال المنهوبة. إلى ذلك تطالب بمعاقبة من يخفي معلومات لازمة للكشف عن فساد, بحجة سرية المعلومات.

وتدلل بهذا الصدد إلى أن قانون هيئة مكافحة الفساد فرض السرية على الوثائق والمعلومات والبينات التي ترد إلى الهيئة, ورتب عقوبة على من يفشي معلومات عن عمل الهيئة, بمن فيهم موظفوها ومن يتعاقد معهم.

وتريد مكافحة الفساد منح المحكمة صلاحية مواصلة النظر بالدعوى المتصلة بفساد حتى لو توفي المتهم أثناء المحاكمة, لغايات استعادة الاموال المتحصلة عن أفعال الفساد, بدل إسقاط دعوى الحق العام كما هو عليه الوضع الان. كذلك تريد استثناء جرائم الفساد والعقوبات الصادرة بحق مرتكبيها واسترداد الاموال المتحصلة عن فساد من سريان التقادم عليها, إذ يبقى الفاسد مطلوبا مهما طال الزمن على اكتشاف أمره, وتبقى الاموال المسلوبة من حق مالكها.

في السياق تنشد الهيئة صلاحيات أوسع بما يساهم في تفعيل دورها وملاحقة الفاسدين واسترداد الاموال مع منح المحكمة صلاحية إلغاء العقود والامتيازات والمنافع التي تحققت نتيجة ارتكاب الفساد. وتدعو أيضا إلى إنشاء صندوق يتولى الاشراف على إدارة أموال فساد تم الحجز عليها, وإدارة المنافع المتحصلة لها لحين تسليمها لأصحابها.

بين هذه التعديلات وتلك, نقلة نوعية, في حال تحققت غالبيتها, يكون الاردن قد قفز خطوات إلى الامام.

فهل يأتي اليوم الذي نشاهد فيه بعض "أشباح الفساد" وراء القضبان. والاهم, هل سنشهد مزيدا من الارادة السياسية لتطبيق هكذا قانون, معطوفا عليه قانون من "أين لك هذا?" امتدادا لقانون إشهار الذمة المالية حتى تكتمل حزمة قوانين النزاهة.

فالهيئة معنية في جرائم الفساد في حال وقوعها أو لدى التبليغ عنها. أما تلك التي وقعت سابقا ويعتقد مرتكبوها بأن الوقت قد فات على اكتشافها فتتطلب قانونا للمساءلة بأثر رجعي أو "من أين لك هذا?" الذي تعمل الحكومة على تجهيزه.

الشهور والسنوات المقبلة ستكشف قدرة النظام السياسي على تحمل النتائج المترتبة على فتح ملفات عشرات الشخصيات والعائلات, واسترجاع الاموال المسروقة ومحاسبة المتورطين. الامل أن لا تكون وعود محاربة الفساد مجرد سحابة عابرة تنتهي حالما تهدأ رياح الثورات العربية ضد الظلم والفساد والطغيان ونهب الاموال.

في المحصلة أمن المجتمع وتصويب علاقة الحكومة بالشعب واستعادة هيبة الدولة لن تتأتى الا عبر توافر إرادة حديدية قادرة على تحمل الهزات, والتضحية ببعض المكتسبات الانية لتأسيس قواعد مستقبل جديد يستحقه الشعب والنظام والوطن.0


rana.sabbagh@alarabalyawm.net