عوامل ساهمت في تراجع أسعار عملات عربية

هناك مؤشرات مختلفة تعبر عن قوة اقتصاد أي دولة وماليتها، وبالتالي قوة عملتها الوطنية، نذكر منها الفائض في الميزان التجاري ونسبة الصادرات الى الورادات وتغطيتها، ومعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي وقيمته ومعدل البطالة، وقوة ميزان المدفوعات، ونسبة إجمالي الديون إلى الناتج المحلي، وقوة التصنيف الائتماني ومؤشرات التنافسية، ومعدل التضخم وأسعار الفائدة واحتياطات النقد الأجنبي وعجز الموازنة.


إن قوة العملة الوطنية مرتبطة بقوة الدولة التي تصدرها والتي تدعمها وتحافظ على ثبات سعرها، ومدى قبولها عالمياً. وبالتالي فإن ترتيب بعض العملات العربية والخليجية تحديداً اعتماداً على تجاوز قيمتها قيمة الدولار، لا يعني أن اقتصادات هذه الدول تتفوق على الاقتصاد الأميركي كما يعتقد البعض، بخاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن الدولار يمثل أكبر اقتصاد في العالم ويؤدي دور عملة الاحتياط العالمية. كما أن ثلثي احتياطات النقد الأجنبي في العالم اي ما نسبته ٨٠ في المئة من مبادلات أسعار الصرف الأجنبية، و٥٠ في المئة من صادرات العالم من السلع الأولية، بما فيها النفط، تجري بالدولار. ونلاحظ ان الدينار الكويتي هو أغلى العملات في مقابل الدولار ويعادل ٣.٤ دولار، بينما يعادل الدينار البحريني ٢.٦٥ دولار والدينار الأردني ١.٤١ دولار.

تسعى الدول التي تعتمد على التصدير ومنها على سبيل المثال اليابان والصين، جاهدة لعدم رفع سعر عملتها أمام الدولار للحفاظ على تنافسية صادراتها وميزانها التجاري من أجل تعزيز نموها الاقتصادي. ولافت أن نسبة مهمة من العملات العربية (باستثناء العملات الخليجية) ما زالت تتعرض لخسائر جسيمة لأسباب، من أهمها التراجع الكبير في قيمة الاحتياطات من العملات الأجنبية الناتجة من ايرادات التصدير وعائدات القطاع السياحي، وتدفقات الاستثمار الأجنبي، وتحويلات المغتربين والقروض بالعملات الأجنبية، والمساعدات الأجنبية. وبما أن هذه التدفقات تتأثر سلباً بعدم الاستقرار السياسي والأمني الذي يتعرض له الكثير من الدول العربية وفي مقدمها اليمن وسورية والعراق وليبيا، فإن ذلك ساهم في تعرض عملاتها لخسائر جسيمة. يضاف الى ذلك تراجع كبير في قيمة الجنيه المصري في مقابل الدولار نتيجة تراجع التدفقات والاحتياطات الأجنبية، وانخفاض قيمة العملات، ما يساهم في ارتفاع كبير في مستويات التضخم، وبالتالي اتساع قاعدة شريحة الفقراء والتراجع الكبير في حجم الاحتياطات الأجنبية. ومثال على ذلك سورية التي انخفضت احتياطاتها الى نحو ٧٠٠ مليون دولار، استناداً الى تصريحات البنك الدولي، بعدما وصلت الى ٢٠ بليون دولار قبل خمس سنوات. ونتج من ذلك تراجع كبير في قيمة الليرة السورية التي خسرت ٩٠ في المئة من قيمتها. اذ كان الدولار قبل خمس سنوات يعادل ٤٧ ليرة سورية وأصبح الآن يتداول بـ٦٢٠ ليرة، ما أدى الى ارتفاع التضخم بنسبة ٤٥٠ في المئة، لتتفاقم معه نسبة الفقر والبطالة.

في المقابل وفي وقت يعاني الاقتصاد الأردني اختلالات هيكلية متعددة، في مقدمها الارتفاع المستمر في المديونية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع عجز الموازنة والعجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وتأثير ذلك سلباً على التصنيف الائتماني للدولة، وارتفاع معدل البطالة والنمو الضعيف للناتج المحلي الإجمالي مقارنة بنمو عدد السكان، يلاحظ ثبات سعر صرف الدينار لفترة زمنية طويلة. هذا الوضع لا يعبر عن قوة مؤشرات الاقتصاد الأردني، لأن ارتباط سعر صرف الدينار بالدولار منذ نحو ٢٠ سنة، ساهم في استقراره وثباته نتيجة توافقه مع أساسيات الاقتصاد الأردني، وتعزيز أساسيات الاستقرار المالي والنقدي في ظل نمو ملحوظ لحجم الاحتياطات الأجنبية التي تجاوزت حاجز ١٥ بليون دولار خلال هذه الفترة. هذا الاحتياط يغطي حاجة الأردن من الواردات السلعية والخدمية لفترة تتجاوز السبعة أشهر. وتعتبر هذه المدة جيدة ومطمئنة وفقاً للمعايير الدولية مع اعتبار أن الاحتياطات الأجنبية تشكل مقياساً للملاءة المالية التي يتمتع بها اقتصاد الأردن. ولا شك في أن الاستقرار السياسي والأمني الذي ينعم به الأردن ساهم باستمرارية تدفقات العملات الأجنبية.

أما ارتفاع سعر الدولار في مقابل العملات الرئيسة الأخرى خلال الفترة الماضية، ومعه ارتفاع سعر صرف الدينار، فقد أديا إلى انخفاض قيمة التزامات المملكة من العملات الأجنبية وارتفاع قيمة استثماراتها وانخفاض أسعار السلع المستوردة من دول تتعامل بعملات أخرى، وفي مقدمها اليورو، إضافة الى خفض تكاليف العلاج والدراسة والسياحة في الخارج. بينما أدى تزايد قيمة احتياطات المصرف المركزي وموجودات المصارف التجارية وتجربة 20 سنة من الارتباط، إلى تفوق المنافع المترتبة على هذا الربط على أي أضرار أخرى محتملة.