تركيا: هل تفشَل رحلة الانتقال الى.. النظام الرئاسي؟

اليوم، ومع طيّ صفحة الرئيس «الثاني» لحزب العدالة والتنمية احمد داود اوغلو, الأكاديمي غير المؤسس في هذا الحزب الذي هيمن على السلطة منذ عقد ونيف، تدخل تركيا مرحلة جديدة، يصعب التكهن بمساراتها ومآلاتها في الآن ذاته، ليس فقط في ما اذا كان بن علي يلديريم سيملأ فراغا»ما» بما هو المرشح الوحيد لرئاسة الحزب والذي سيكرسه في هذا الموقع الاجتماع الذي يعقده الحزب اليوم، وانما مستقبل الحزب نفسه وهل سيستمر موحداً ام ان الخلافات ستعصف به ولن تختلف حاله عن حال باقي الاحزاب الاسلاموية او العلمانية التي سطعت في الفضاء التركي ثم ما لبثت ان انطفأت جراء الصراعات الداخلية وقسوة قبضة العسكر وخصوصاً في تسرب ثقافة الفساد الى داخل صفوف تلك الأحزاب وقياداتها, تتساوى في ذلك تانسوا شيلر مع مسعود يلماز وسليمان ديميرل وتورغوت اوزال ونجم الدين أربكان, بهذه الدرجة او تلك لكن احزابهم انطفأت وغدت مجرد «ذكريات» في التاريخ السياسي والحزبي التركي, حتى ان العسكر انفسهم الذين اعتبروا أنفسهم «حُراساً» لإرث مصطفى كمال ، تم تحجميهم وحيل بينهم واستمرار تحكمهم في المشهد التركي، وإن كان من السذاجة الاعتقاد بـأن دورهم قد انتهى تماماً, او انهم سلّموا عن قناعة بضرورة خضوع المؤسسة العسكرية للمستوى السياسي المُنتخَب.

ما علينا..
عندما رَكَلَ اردوغان، داود اوغلو الطارئ على الحزب والذي لم يلتحق بعضويته الاّ قبل سنوات قليلة لا تتعدى الأربع، كان الرئيس التركي يُدرك ان ذلك «التعيين» لمن ظنّ انه سيكون مُطيعاً وختماً جاهزاً في يده، لن يثير أزمة داخل الحزب الذي استطاع ترويضه والتحكم في موازين القوى فيه وإنزال العقاب بمن يتمرد أو يُبدي نوعاً من الاعتراض على قرارات الزعيم, فعل ذلك بغير رحمة او حسّ بالوفاء لعبدالله غلّ الرئيس الذي لم «يردّ» اي قانون تقدم به رئيس الحكومة اردوغان, ظناً منه (غلّ) انه بذلك يضمن موقع الرجل الثاني الذي ارتضاه لنفسه في سلّم الحزب التنظيمي، فإذا به يُطرد خارج الحزب ويُرسل الى البيت دون كلمة شكر او محاولة لاسترضائه.
لهذا لم يكن الإتيان بـ»بن علي يلديريم» مفاجئاً لأحد, لأن الرجل فهم قواعد اللعبة التي يديرها اردوغان, فقبل الالتزام الحرفي بها ,وقال في ما يشبه ادانة سلفه في رئاسة الحزب (سيتم اليوم ترقيته الى منصب رئيس الحزب وتالياً ترتفع حظوظه في رئاسة الحكومة, اذا لم يلجأ اردوغان الى لعبة اخرى وهي الفصل بين رئاسة الحزب ورئاسة الحكومة, على ما اشارت الصحافة التركية) عندما قال: ان لا خلافات ستكون بعد اليوم بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية (في غمز واضح من داود اوغلو) ثم مستطرداً وواعداً (العمل بانسجام تام مع رئيسنا المؤسس والقائد).. وكان قد «سلّف» اردوغان وعداً بعد اطاحة اوغلو: عندما قال علنا الان سنقيم نظاماً رئاسياً (..).
لغة ومفردات تَغرِف من قاموس الدول البوليسية والاستبدادية, عربية كانت أم غير عربية, ما دام الولاء للقائد والمؤسس, فلا قيمة للكفاءة والرأي الاخر, ولا اعتراف بحق الاختلاف أو تعددية الاراء أو وجود «معسكرات» داخل الاحزاب, كما يحصل في الاحزاب الديمقراطية التي تدين بالولاء لناخبها وليس لقائدها او زعيمها الاوحد, قائداً مُؤسِساً ام تسلل الى المقعد الاول عبر انقلاب عسكري أو تصفية الرفاق, الموالي منهم والمعارض.
همّ اردوغان «الاول» اذاً, هو تمرير «قانون» لتحويل النظام البرلماني الذي ارساه اتاتورك.. الى نظام رئاسي, سواء عبر توفير اغلبية الثلثين في مجلس النواب (367 من اصل 550 مجموعهم الان) أم عبر استفتاء شعبي توفر اجراؤه اغلبية برلمانية تصل الى 330 نائباً فقط.
واذ اصاب الرئيس التركي نجاحاً قبل يومين عندما وافق البرلمان على تعديلين دستوريين يسمح احدهما برفع الحصانة بشكل تلقائي عن «جميع» النواب الحاليين والمقصود بالطبع نواب حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي في غالبيته), فإن الطريق أمام اردوغان ليست معبدة تماماً, إذ ثمة ملفات عديدة صعبة ومُعقدة في انتظاره, بعضها ربما تكمن خطورته في داخل حزب العدالة والتنمية نفسه, في حال تمرد بعض اعضائه او ذهبوا في اتجاه «قادة» يحاولون الانشقاق عنه مثل عبدالله غل او بولنت ارينيتش وملفات اخرى خارجية ليس اقلها اكلافاً تداعيات الازمة السورية والاحتمالات الماثلة بمواجهة روسية تركية بعد ان حددت موسكو يوم 25 الشهر الجاري, موعداً لبدء ضرباتها لجموع المتدفقين من الاراضي التركية واسلحتهم التي تُهدِّد الاستقرار في سوريا, على ما قال وزير الدفاع الروسي يوم امس, كذلك في تعثر تطبيق الاتفاق مع الاتحاد الاوروبي حول الهجرة وعدم اشتراط حصول المواطنين الاتراك على تأشيرة دخول دول تشينغين مقابل ذلك, دون اهمال الصفعة القوية التي سيوجهها البرلمان الالماني في الثاني من حزيران الوشيك عندما يعترف بالابادة الارمنية ويحيي «ذكرى ابادة الارمن والاقليات المسيحية الاخرى منذ مائة سنة وسنة».
طموحات اردوغان السلطوية, مُعلنة ومكتوبة على الجدار, لكن المعارضة لها آخذة في الاتساع داخلياً وخصوصاً اوروبياً.. فهل سينجح اردوغان أم يفشل؟
الجواب رهن بما تتوفر عليه القوى السياسية التي تخوض الصراع الان على الاراضي التركية.
kharroub@jpf.com.jo