المراهنات والتلاعب.. آفة كرة القدم التي تنتهي بالدماء

تعد المراهنات وعمليات التلاعب بنتائج المباريات الرياضية إحدى الآفات التي تعانيها كرة القدم، وتقوم على هذه العمليات منظمات إجرامية وعصابات متخصصة في هذا المجال، وتهدف إلى تحقيق أرباح مالية عالية، أو إلى إجراء عمليات غسيل أموال بمبالغ كبيرة.

يسعى المتلاعبون بنتائج المباريات إلى ضمان نتائج مباريات محددة، وأحياناً لا تكون أهمية المباراة العنصر الأهم؛ إذ يتم التعامل مع مباريات هامشية أو متوسطة الأهمية، فالقضية الأكثر أهمية هي ضمان أن تتوافق نتيجة المباراة مع النتيجة التي يتم عليها الرهان.

ومن أجل تحقيق ذلك تسعى هذه المنظمات والعصابات إلى أن تكون قريبة من عالم كرة القدم، وتعزز علاقاتها بوكلاء اللاعبين ومتعهدي إقامة المباريات ومنظمي الدورات والبطولات، ومقدمي الخدمات اللوجستية، وأي أعضاء فاعلين أو عناصر مؤثرة في اللعبة؛ سواء أكانوا لاعبين أو مدربين أو إداريين، بما يسهم في ضمان تحقيق النتائج المطلوبة في المباريات الخاضعة للمراهنة وتحقيق الأرباح الحالية.

وبحسب دراسة أعدها المركز الدولي للأمن الرياضي، بالتعاون مع جامعة السوربون الفرنسية، العام الجاري، فقد كشف عن أن حجم المراهنات والتلاعب بالنتائج في كرة القدم بلغ 500 مليار يورو سنوياً، وبلغت قيمة غسل الأموال أيضاً بهذا المجال 140 مليار يورو.

-كيف تتم المراهنات؟

تقوم شركات المراهنات بأعمال عدة في التمهيد والتحضير لعمليات المراهنة، وتمتلك مستشارين فنيين لديهم اطلاع واسع في كل أنحاء العالم، فضلاً عن أنها تقوم باستخدام أفراد محليين في كل دولة لمعرفة كل التفاصيل الخاصة بكل فريق؛ من ناحية المدرب واللاعبين والأجهزة الفنية والإدارية والتغييرات الحاصلة في كل فريق.

وتقوم أيضاً بتزويد المتعاملين معها بتقرير عن الوضع الفني للمباراة، وأفضلية الفوز لفريق دون آخر من خلال القراءة الفنية الدقيقة التي تعتمد على المعطيات الميدانية.

وتتيح شركات المراهنات عدة خيارات للمراهن على أي مباراة، وكل خيار يملك نسبة، وتضرب هذه النسبة في مبلغ الرهان، ليكون الخارج هو قيمة المبلغ الذي سيحصل عليه المراهن، في حال توقع النتيجة الصحيحة للقاء الذي راهن عليه.

مثلاً نسبة فوز ريال مدريد على برشلونة هي 2.25%، ومبلغ الرهان هو 1000 يورو، للحصول على المبلغ الذي سيحصل عليه المراهن في حال فوز ريال مدريد، نضرب مبلغ الرهان في النسبة التي أعطتها الشركة لإمكانية فوز ريال مدريد على البرشا، وفي حال تعادل النادي الملكي أو هزيمته سوف تربح الشركة مبلغ الرهان.

وهناك عدة خيارات أخرى غير توقع الفائز والخاسر؛ كتوقع التعادل، وتوقع النتيجة الصحيحة للمباراة، والفريق الفائز في الشوط الأول، والفريق الفائز في الشوط الثاني، وكثير من الخيارات، وفقاً للنظام الربحي المعمول به، ودائماً المباريات تكون مدروسة جيداً لتحديد النسب.

- هبوط ودماء

ولضمان أكبر ربح مادي ممكن وتجنب الخسائر، تعمد شركات المراهنات إلى الاطلاع على نسبة المراهنة على لقاء ما، ومقدار الربح الذي سوف تجنيه في كل الحالات الممكنة، فتختار الخيار المناسب وتعمل على تطبيقه، وذلك عبر تقديم رِشا ضخمة لأحد الأطراف التي بإمكانها إنجاح هذه العملية؛ كحكم المباراة أو مدرب الفريق أو رئيس النادي أو لاعب مؤثر، لكن غالباً ما يكون قائد الفريق أو حارس المرمى.

وتعتبر فضيحة الدوري الإيطالي 2006 هي الكبرى في تاريخ المراهنات والتلاعب بالنتائج، وقد تورط في هذه الفضيحة نادي يوفنتوس، ونادي إيه سي ميلان، ونادي فيورنتينا، ونادي لاتسيو، ونادي ريجينا، حيث أظهرت تسجيلات للمكالمات الهاتفية علاقتهم مع حكام كرة القدم في إيطاليا، وقد كان نادي يوفنتوس بطل الدوري في ذلك الموسم، وقد اتهم الفريق بالتلاعب بنتائج المباريات واختيار حكام يميلون إلى مصلحته.

عوقب يوفنتوس بإنزاله إلى الدرجة الثانية، مع خصم 30 نقطة من رصيده، ولكن بعدها تم تقليل عدد النقاط المحسومة من رصيده إلى 17 نقطة، ثم خفضت إلى 9 نقاط، وقد سحب من الفريق لقب الدوري الإيطالي عامي 2005 و2006، وتم منعه من اللعب في دوري أبطال أوروبا، ولعب ثلاث مباريات دون جمهور.

لكن الفضيحة الدموية كانت عندما قتلت المافيا لاعب كرة القدم الكولومبي أندريس أسكوبار، الذي يلعب في مركز المدافع؛ بسبب تهديفه خطأ بمرمى فريقه في مباراته أمام الولايات المتحدة التي أخرجت المنتخب الكولومبي من كأس العالم عام 1994.


هذا الهدف تسبب في وداع كولومبيا من الدور الأول لكأس العالم 1994، وهي التي كانت مرشحة بنجومها للوصول إلى أبعد من هذا الدور؛ لكونها أعدت العدة جيداً في التصفيات، أضف إلى هذا الأموال التي صرفت لمصلحة المنتخب لتحقيق الأحلام الكولومبية.

واشتد الأمر على اللاعبين حين تلقوا تهديدات صريحة بالقتل قبل مباراة أمريكا، وبعد الخسارة الافتتاحية من رومانيا (1-3)، حيث انتشر الذعر بين اللاعبين وصولاً لإسكوبار الذي عاد واختفى في منزله خوفاً من العواقب الوخيمة.

وأثناء خروج المدافع أندريس إسكوبار من إحدى الحانات تعرّض لضرب مبرح، انتهى بالإعدام رمياً بـ12 رصاصة على يد عصابة مخدرات، كانت قد دفعت مبالغ طائلة رهاناً على المنتخب الكولومبي في المونديال، فكانت آخر جملة سمعها اللاعب الضحية قبل مقتله: "شكراً للهدف الذي سجلته في مرماك"،

والأدهى من ذلك أن قاتل إسكوبار تلقى حكماً بالسجن 43 عاماً، ولكنه بقي في السجن 11 عاماً فقط وخرج بسبب "حسن السلوك".