ديانة العمدة

بدأت «الهــستــيــريا» الإعلامية قبل انتخابه. عمدة لندن الجديد «مسلم»! ثم بعد تأكد فوزه لم يتغير شيء تقريباً سوى إضافة «للمرة الأولى» قبل عبارة: صادق خان عمدة لندن الجديد «مسلم»، أو لندن تنتخب عمدة «مسلماً»... وسواء سبقت صفات أخرى اسم خان كالقول انه من الحزب العمالي مثلاً أو أنه ابن مهاجر فقير أو من أصول باكستانية... فكل تلك كانت تبدو كصف كلام مقابل الصفة الرئيسة «مسلم» التي أثارت الاهتمام والتي كانت، وهذا حسب الوسيلة الإعلامية، تلحق ببقية الأوصاف أو تتقدمها.

 

 

كانت مقاومة إغراء ذكر ديانة الحاكم الذي وصل لإدارة عاصمة أوروبية صعبة!

 

 

نشرات المحطات العامة الفرنسية مثل «فرانس 2» مثلاً، التي تتجنب في العادة أي ذكر لديانة السياسيين، لم تستطع إهمال هذا التفصيل، فهي لحظات حافلة بالرموز ليس فقط لأن المرشح من أصول مهاجرة ووالده كان سائق حافلة بل لأنه أول مسلم على رأس عاصمة من أكبر العواصم الغربية بعدد سكانها... من المفارقات أنه بعد وضع «مسلم» في كل عنوان وكل جملة وكل تعليق كانوا جميعهم في النهاية يعلنون ببديهية أن صادق خان لم ينتخب بسبب انتمائه الديني(!) ولكن لأنه وعد بمواجهة المشكلات الملحة للعاصمة ومنها خصوصاً ارتفاع ايجارات أسعار المساكن ووسائل النقل المكتظة والتلوث...

 

 

مفارقة أخرى، لم يشر أحد على حد علمنا لديانة منافس خان. كل ما قيل كان يتعلق بانتمائه للحزب المحافظ وتملكه لثروة ضخمة، لم يهتم الإعلام الفرنسي بالتنبيه إلى ديانته اليهودية. في دولة علمانية كفرنسا، من المتعارف عليه أن المحطات العامة، خصوصاً، تتجنب تماماً ذكر ديانة الأشخاص والنظر إليهم على أساس انتمائهم الديني. إنما لعلّ ندرة الحدث أي وصول مسلم لزعامة في مدينة أوروبية حتّم هذا لا سيما في أجواء أصبح فيها الإسلام مركز الحدث ومحط اهتمام ايجابي وسلبي معاً في اوروبا، بالتالي يغدو ذكر اسلام من يصل إلى سلطة ما لا غنى عنه. فهل يُعطون العذر لهذا؟

 

 

صحافي بريطاني ظهر في لقاء على الإخبارية الفرنسية «بي اف ام تي في»، انتقد هذه «الإثارة الإعلامية»، في الإعلام الفرنسي بأن عمدة لندن «مسلم»، لا سيما لأن ديانته لم تؤخذ بالحسبان عند انتخابه مضيفاً أن ذلك لم يحصل في لندن بل يمكن أن يُعتبر «غير لائق سياسياً»! لم يكن الوحيد فعدد من الصحافيين والكتاب الفرنسيين هاجموا ايضاً هذه «الحمى» الإعلامية.

 

 

العرب أيضاً لم يقصروا في الاحتفال بهذه الهوية وهذا الوصول، والتلفزيونات العربية لم تترك شاردة وواردة عن صادق خان إلا وذكرتها... انه وصول لا تتيحه بلداننا لمهاجريها، لكن هذا لم يبد محط اهتمام أحد!