بيت الشعر في جبل الجوفة

في عمان، وتحديدا على حافة جبل الجوفة المحاذية تماما للمدرج الروماني، ثمة بيت قديم، أهلته امانة عمان الكبرى، ليغدو بيتا للشعر منذ اعوام.
موقع البيت مدهش، وتأهيله لا يشير الى انه بيت شعر، ولا ملمح يدلل على ذلك، وحتى ـ وأنا المنشغل بالشعر ـ لا أعرف من هو المسؤول عن هذا المكان، ولم يبدو على هذا النحو المثير للشفقة.من العجز والصمت؟
في كثير من بلدان العالم، يعتنى بالاماكن الثقافية التي تنضوي على مسحة تاريخية، وفي بلدنا الامر منوط بطاقة من يعتني بها، لا بمؤسساتنا المصابة بالرهبة من أي فعل ثقافي على ما يبدو.
هذا البيت مسكين، فمنذ اعوام مثلا، لم يشهد نشاطا شعريا مميزا، وغير مميز أيضا، ولا تصدر عنه أي دالة تفيد بانه معني بالشعر، ولم أسمع ان شعراء استقبلوا في رحابه بما يليق بالشعر، ديوان العرب.
الأمر برمته يدعو للأسى، ويثير ـ ربما الألم، لكن بما ان العناية بالثقافة والفنون في بلادنا لا تهم أحدا، فلا غرو ان يبدو بيت الشعر الذي يمثل البلد في هذا الجانب، غير مهم ويشبه الصمت في قبره.
المكان الذي رأيته قبل أكثر من عشر سنوات، بدا لي باردا، يغص بالسكون والإهمال. لم أزره منذها، وما زلت اعتقد ـ وانا اراه عن بعد، يغص بالسكون والاهمال.
ولا ادري لم تتكبد أمانة عمان إدراج هذا المكان ضمن مهامها، وتديره، بينما هو لا يعمل، ولا حياة فيه، ولا صوت يمكن ان يسمع من جبل الجوفة، يشدو بقصيدة.
حين تسأل أحدا من قاطني الجبل عن بيت الشعر، يجيبك على الفور أنه لا يعلم به، وإذا ما أخبرته عن مكان وجوده، وان حافة الجبل تحتضنه، يبتسم متسائلا عما يحدث هناك.
ولولا لافتة سياحية تشير الى مكان بيت الشعر، أظنها لم تعد موجودة، لما وجدنا دالة على ذلك المكان المسكين، المصاب بالسكتة الشعرية.
وفي البال، أن مثل هذه الاماكن، تمثل وجدانا جمعيا، وهي تعد في بعض المدن العريقة في العالم، مناطق إشعاع جمالي، ومزارا للمثقفين، وبيتا لتذوق الفنون، تؤمنه بلديات تلك المدن للسكان وللزوار.
فكيف بنا ونحن امام بيت يطل على معلم سياحي تاريخي مهم في قلب عمان، هو المدرج الروماني، ولا نرى أي عناية به، بل ثمة اهمال يمكن أن نستشفه عبر رصدنا لاخبار الانشطة التي تقدمها الامانة للمواطنين، ولا ذكر فيها لبيت الشعر.
أليس هذا امرا محزنا ويثير الشفقة، ترك بيت بهذه المكانة والجمال، نهب الصمت والبرودة - أعني فقدانه لأي حميمية، تجمع محبي الشعر في مكان يستشعرون فيه بأنه يألفهم، وأنهم يألفونه.