لا تكترثوا.. "انتحار جماعي" عادي!

أن يتفق خمسة شباب أردنيين على الإقدام على محاولة انتحار، هو أمر لا بد أن يكون كارثيا؛ سواء نووا إنهاء حياتهم فعلاً، أم كان غرضهم التهديد بذلك فحسب.
فخطوة هؤلاء الشباب التي شهدناها يوم أمس قرب دوار الداخلية بعمان، تظل قرعاً لناقوس جديد ينبّه إلى اليأس والإحباط اللذين يعاني منهما كثير جداً من شبابنا، بحكم ارتفاع معدلات البطالة بينهم مع شح فرص العمل.
ويمكن لنا العودة بالزمن قليلا إلى الوراء، لنتخيل كيف اجتمع هؤلاء الشباب، وتناقشوا وتباحثوا بشأن الأسلوب الذي يعبّرون من خلاله عن مدى قنوطهم من الحياة. فهم، بالتأكيد، فكروا بصوت عال مع بعضهم بعضاً، وقرروا أخيرا الإقدام على محاولة إنهاء حياتهم، أو التهديد بذلك.
ضمن ردود الفعل، سخر البعض من خطوة الشباب الخمسة على اعتبار أنهم غير جادين! ولتصل هذه السخرية عند جزء من هؤلاء على الأقل، حد دعوة الشبان للانتحار فعلا!
فريق ثان انهال بالشتائم واللعنات، لأن الفعلة ليست إلا مخالفة للشرع الذي يحرّم إزهاق النفس. وذلك مع إغفال كل العوامل التي دفعت هؤلاء الشباب لهذه الخطوة.
في المقابل، كان هناك من تفاعلوا مع القصة عبر تقدير أبعادها ومعانيها الخطيرة. إذ ليست هي المرة الأولى التي يحاول فيها أردنيون الانتحار، لكنها حتماً الأولى التي يجتمع فيها خمسة أشخاص على الفكرة وتنفيذها، وبما يدعو للقلق فعلاً.
لكن فكرة الانتحار الصادمة في جوهرها أساساً، كما بجماعيتها يوم أمس، تظل واحدة من الحقائق المُرّة القائمة في واقعنا حالياً. وعلى علماء الاجتماع والنفس البدء بإجراء الدراسات الجادة لتفسير الظاهرة، وضمنها تقييم الحالة النفسية للشباب الأردنيين، وقياس حجم الإحباط والغضب اللذين يعشعشان بداخلهم، وصولاً إلى مواجهتهما. وهي المواجهة التي تتطلب أساساً تحليل الواقع الاجتماعي في ظل تعقد المشهد الاقتصادي، والسيناريوهات المحتملة لردود فعل الشباب نتيجة تعطلهم عن الإنتاج وإثبات الذات، لمدد طويلة في أحيان كثيرة.
هذا يعني، ابتداء، أن على المؤسسات الرسمية المختلفة، بما فيها "الأمنية"، أن لا تستهين بواقعة يوم أمس، فتتعامل معها ببساطة؛ فخلف الخطوة مشاريع منتحرين، وهي تحمل معاني كبيرة لناحية خطورة المزاج الذي بلغه شبابنا.
ففي استطلاع حديث، غير علمي، طُرح سؤال على الشباب بشأن تفاؤلهم بالمستقبل. وأفاد غالبية المشاركين بأنهم لا يثقون بما هو آت، وأن إحساسهم بالغربة في وطنهم ناجم عن ذلك.
تُرى، ماذا فعلنا للشباب؟ هل قدمت الحكومة الحالية، وهي الأطول عمرا بين سابقاتها، أي أفكار ومبادرات حقيقية لانتشال الشباب من واقعهم؟ بصراحة، هذه المرة لا ننتظر جوابا من وزيري العمل أو التخطيط والتعاون الدولي، كما من رئيس الحكومة نفسه؛ فالإجابات باتت معروفة لدى الشباب الذي يغرق قرابة نصفه في البطالة.
لكن الإجابة هذه المرة جاءت صرخة موجعة من الشباب الذين ارتقوا عمارة دوار الداخلية، في محاولة لإنهاء حياتهم، ولسان حالهم يقول: "لقد سئمنا وعودكم وعهودكم.. سئمنا كذبكم"! فهم لو شعروا بشيء مما وعدت به كل الحكومات، لانشغلوا برسم مستقبلهم وحياتهم، بدلا من التخطيط لقرار الانتحار.
بالنتيجة، الشباب الأردني بكل معاناته، بات قنبلة موقوتة، خطرها الشديد يمتد على رقعة واسعة من الوطن. لأن الشباب في نهاية الأمر طاقة، إن لم تستثمر في العمل والإنتاجية، ستكون خارج السيطرة بشكل مدمر.
لا أظن أن الحكومة عقدت اجتماعا طارئا يوم أمس لبحث القصة وتقدير مدى خطورتها على الأمن الوطني. ولا أظن أن وزارة العمل راجعت أو ستراجع استراتيجية التشغيل وأرقام البطالة؛ إذ تظنان أن الأمر لا يستحق؛ فهم فقط خمسة شباب حاولوا الانتحار، وذلك لا يعني شيئا استثنائياً!