ماذا بعد ان ودعت حماس سوريا
ماذا بعد ان ودعت حماس سوريا
الكاتب الصحفي زياد البطاينه
خلعت الإرادة الشعبية الفلسطينية عنها رداء الانقسام الذي لا يقي برداً ولا يستر عورة بعد ان نخرت الفرقة الجسد الفلسطيني وأقعدته لسنوات طويلة وأدت به إلى مزيد من الخسائر الفادحة للقضية الفلسطينية وهي حالة استغلتها إسرائيل عبر استنزاف الطرف الفلسطيني المنقسم الذي كان يخطو على قدم واحدة متكئ على عجزه حينا وعلى فشله حينا أخر ،في ظل انسداد واضح للأفق أمامه بعد أن انتزعت من بين يديه المشلولتين كافة الخيارات والحلول علما انه كان في كثير من الأحيان مسببا ودافعا أساسيا لفقدانها ونزعها من بين يديه بعد أن أعطى الجانب الإسرائيلي حجة التفرد بالقرار والتحكم بمدخلاته ومخرجاته وسلمه مفاتيح الكثير من القضايا المصيرية التي كانت تبحث عن قوة دفع حقيقية يشارك فيها الشعب الفلسطيني كاملا دون استثناء أي طرف من الأطراف.
قبل التوقيع على وئيقة المصالحة الفلسطينية وبعده، كان الحدث الاهم وسيبقى هو التحول الجذري في موقف حركة «حماس»، التي قررت أن تغادر سوريا في السياسة وربما لاحقا في الجغرافيا،
وان تبتعد عن ايران في الايديولوجيا وربما لاحقا في الخطاب
.. وتطلب حق اللجوء السياسي من مصر التي ارتفع سقفها الوطني عاليا لكنه لم يخترق قواعد اللعبة مع اسرائيل.
هي الواقعية السياسية التي أملتها اولا ظروف سوريا الحرجة واتهاماتها الفورية الى فلسطينيين بالتورط في شأنها الداخلي، ما تسبب بجرح عميق في الوعي الفلسطيني، وبحرص شديد على الوجود الفلسطيني في الاراضي السورية وربما اللبنانية ايضا، وتجنيبه أي تورط أو توريط في ما لا يعنيه، من اضطراب غير مألوف وغير مرغوب .. ولا يمكن ان يبدده اطمئنان حماس الضمني الى ان الخاتمة السورية ستكون سعيدة وستخدم مصلحة الجانبين بطريقة مغايرة لكل ما ساد بينهما من ود ووئام في العقدين الماضيين!
وهي الواقعية السياسية التي أملتها ظروف ذلك الاشتباك العربي أو الخليجي تحديدا مع ايران، والذي لم يعد يدور في الميادين الخلفية في العراق أو لبنان أو غزة، بل بات يرفع من جهة اخرى شعار حماية الامن الداخلي لدول مجلس التعاون، ومن جهة اخرى يمس الامن الحدودي والسياسي لطهران. صار اشتباكا مباشرا، ولم يعد أي من الطرفين يدعو حلفاءه الى المشاركة، ولم يعد يحتاج اليهم ايضا.
. وهو ما لم تكن «حماس» ترغب به أو تتوقعه يوما، برغم انها خيرت أكثر من مرة من قبل العواصم الخليجية بين عروبتها وفارسيتها، فكان خيارها صريحا وواضحا
حماس غادرت المحور السوري الايراني الذي تفكك أصلا جراء وصول موجة التغيير العربي الى ضواحي دمشق، ما اضطر الحركة الاسلامية الفلسطينية الى البحث عن محور بديل، وجدته في مصر التي باتت البلد العربي الاكثر استقرارا وقدرة على صنع المستقبل الفلسطيني، من دون ادعاءات كبرى ومن دون انحطاطات أكبر.. على ما كان عليه الحال في زمن الرئيس السابق حسني مبارك، الذي تسبب تعامله الفريد مع الفلسطينيين وقضيتهم بواحد من أسوأ مظاهر انقسامهم وتردي مشروعهم الوطني وتمرد اسرائيل على التسليم بحقوقهم.
عادت «حماس» الى مصر الجديدة، متخلية ايضا عن الكثير من عناصر خطابها السياسي التقليدي، الذي كان يستخدم في مراحل الصراع مع الشقيق في حركة فتح أكثر مما كان يستغل في المواجهة مع العدو الاسرائيلي. سلمت الحركة، التي ظلت حتى الامس القريب تظن ان عدم الاعتراف بدولة اسرائيل ورقة صالحة للمساومة، بتسوية على حدود العام 67 على الاسس التي حددتها منظمة التحرير الفلسطينية، مكرهة، قبل نحو ثلاثين عاما، وقررت أن تعطي المفاوضات فرصة.. لا يتيحها الاسرائيليون ولا الاميركيون، ولا يمكن ان تتوافر إلا بعد انتهاء موجة الثورات العربية، التي قررت «حماس» ان تلتحق بها على غرار ما تفعل حركة الاخوان المسلمين في مصر وغيرها من الحركات الاسلامية، التي باتت تناضل من اجل الدولة المدنية والديموقراطية، اللااسلامية، في مختلف أنحاء العالم العربي.
واليوم وبعد أنجزت المصالحة على الورق وتبادل طرفي الخصام الكلمات المعسولة مطلوب من الأشقاء الفلسطينيين تجاوز هذه المرحلة والانتقال بخطوات متسارعة إلى التنفيذ والتطبيق الفعلي على الأرض من خلال إستراتيجية جديدة يشارك في رسمها كافة الأطراف تحاكي من جهة أحلام الشعب الفلسطيني المشروعة بإقامة دولته المستقلة ، وتعيد من جهة أخرى إلى الفعل الفلسطيني فاعليته وتوازنه وصولا إلى تغيير المعادلة السياسية التفاوضية مع العدو الإسرائيلي الذي سيجد نفسه في دائرة مغلقة مخرجها الوحيد هو الجلوس إلى طاولة المفاوضات أو الذهاب إلى خيارات أخرى مفتوحة على كافة الاحتمالات.
وكما كان الشعب الفلسطيني هو المحرك الرئيس والفاعل الحقيقي في تحقيق هذه المصالحة ولم الشمل .. يبقى هو الضامن الحقيقي والوحيد لإنجاح ودوام هذه المصالحة ويبقى هو الحصن الحصين لوحدة أبنائه على قاعدة التلاحم والتكاتف بين الأشقاء وان كل طرف هو مكمل للطرف الأخر.
pressziad@yahoo.com
===============================================