كتاب عدل خارج اسوار المحاكم.. قفزة في الهواء لا يمكن توقع عواقبها
تذهب وزارة العدل الى خوض «مغامرة» لا يمكن التنبؤ بنتائجها وهي تفتح الباب لممارسة أعمال كاتب العدل خارج اسوار المحاكم.
النوايا الحسنة وحدها لا تكفي، فرغم أن هذه الخطوة من شأنها التخفيف على المواطنين وتسهيل حصولهم على بعض الكفالات والوكالات خارج أوقات الدوام الرسمي إلا أنها قد تكون مدخلا لعمليات تلاعب وتزوير لم تسلم منها الوثائق الصادرة عن كاتب العدل وهي تنجز داخل المحاكم فكيف خارجها.
كان الأجدى أن تذهب الوزارة الى مفهوم كاتب العدل المناوب بحيث تتيح للمواطنين الحصول على الوثائق المستعجلة دون خوض غمار تجربة ترخيص كتاب عدل خاصين نظرا لحساسية الاعمال التي يؤديها كتاب العدل والتي لا تقل عن حساسية عمل القضاة أنفسهم.
قانونيون ومهتمون بالشأن القضائي والقانوني إعتبروا منح تراخيص لكتاب عدل خارج الدوائر القضائية، قفزة في الهواء لا يمكن توقع عواقبها في ضوء ضعف نظام المراقبة والمتابعة على العاملين تحت مظلة وزارة العدل، فكيف الحال اذا كان الأمر يتعلق بكتاب عدل يعملون خارج اسوار المحاكم.
حالات تزوير عديدة تم الكشف عنها في إصدار الوكالات بمختلف انواعها وما ترتب على بعض حالات التزوير هذه من نقل ملكية عقارات او التصرف بحسابات بنكية وغير ذلك من المجالات التي تمكن حامل الوكالة من التصرف بأموال موكله من بيع ورهن او استدانة، اضافة الى ما ينسحب على الوكالات في الحالات الشخصية من زواج وطلاق وغير ذلك.
وعلى الرغم من عدم توافر احصائية دقيقة تبين عدد حالات التزوير المكتشفة ونسبتها من مجمل الوكالات الصادرة عن دوائر الكاتب العدل في مختلف محاكم المملكة الا ان قانونيين يرجحون ان تكون النسبة مرتفعة في ضوء ما يتم الإعلان عنه من حين الى آخر وما لا يتم اكتشافه أصلا في ضوء ضعف نظام الرقابة المعمول به حاليا.
الحجة التي ساقها وزير العدل الدكتور بسام التلهوني للنظام هذا والمتعلقة بتوسيع نطاق الخدمات التي تقدمها وزارة العدل للمواطنين ايام العطل الرسمية أو خارج ساعات الدوام الرسمية يمكن حلها من خلال تخصيص مناوبات لدوائر الكتاب العدل خارج ساعات وايام العمل الرسمية لتقديم الخدمة لمن يحتاجها على مدار الساعة.
وفي هذا السياق، يشير المحامي راتب النوايسة الى تجربة الإمارات العربية المتحدة التي تبقي عمل دوائر كاتب العدل مستمرا حتى الساعة الثامنة مساء، وهو ما يلبي حاجة المواطنين ويسعفهم في الحصول على الخدمات في الحالات الطارئة.
واشار النوايسة الى صعوبة وضع اي ضوابط حقيقية قادرة على منع استخدام هذه التراخيص للتلاعب بأموال المواطنين والمقيمين، حيث ان الاقدمية او الخدمة الطويلة في السلك القضائي او المحاماة لا تعني القدرة على آداء هذه الخدمة بنزاهة وشفافية، خاصة أن المغريات تكون كبيرة جدا في كثير من الأحيان.
ولفت الى ان عمل الكاتب العدل ضمن اطار الدوائر القضائية وكموظفين عموميين لم يمنع من وقوع حالات تزوير نتج عنها ضياع عقارات ضخمة واموال كثيرة بسبب وكالات مزورة او منحت بالاحتيال، فكيف سيكون الحال اذا اعطيت هذه الصلاحيات لمكاتب خاصة او أشخاص لا يحملون صفة وظيفية.
واقترح النوايسة تمديد عمل دوائر كاتب العدل في المحاكم الى ساعات المساء وترتيب مناوبات بين تلك الدوائر في العطل الاسبوعية والرسمية لتقديم الخدمة لمحتاجيها بشكل طارئ بدلا من فتح الباب لترخيص كتاب عدل لا يعلم أحد عواقب الخطأ في اعمالهم في مجال لا يحتمل الخطأ وافتراض حسن النية.
ونوه الى ان طبيعة عمل المحامي تتنافى مع العمل الوظيفي وفق قانون نقابة المحامين وسيكون تحت رقابة الوزارة مما يؤثر على استقلاليته كمحام موجها النصح الى زملائه المحامين بالنأي بأنفسهم عن خوض هذه التجربة التي سيكون لها عواقب وخيمة.
رأي النوايسة هذا ينسجم مع محدودية الحالات التي تحتاج الى خدمات الكاتب العدل خارج اوقات الدوام الرسمي، حيث لم يقدم وزير العدل ارقاما تبين الحاجة الفعلية للدخول في هذه المخاطرة، فالتقديرات بأن حاجة المراجعين لهذه الخدمة خارج اوقات الدوام الرسمي على الأغلب قليلة او محدودة جدا.
قاض طلب عدم ذكر اسمه، قال ان فتح الباب لترخيص كتاب عدل يتنافى مع ضرورات ضبط عملهم لحساسيته الكبيرة وآثاره المتعددة والتي قد تطال الأعمال القضائية نظرا لوجود وكالات بمتابعة اعمال قضائية او اجراء تسويات في قضايا معينة.
وقال القاضي ان منح تراخيص لكتاب عدل خارج اطار المحاكم سيفتح الباب لعمليات تلاعب وتزوير لا يمكن لأحد توقع حجمها أو أثرها، مكررا الاقتراحات المتعلقة بتمديد عمل دوائر الكاتب العدل ووضع جدول مناوبات بينها لتقديم الخدمة لمحتاجيها على مدار الساعة.
وكان وزير العدل الدكتور بسام التلهوني قد بين ان «الكتاب العدل المرخصين سيمنحون شهادة مزاولة موقعة مدتها سنة يتم تجديدها سنويا بموافقة الوزارة بعد الاخذ بعين الاعتبار الشروط والمتطلبات اللازمة للتجديد»، مشيرا الى ان الوزارة انشأت مديرية الكاتب العدل التي تضم قسما مختصا بمتابعة كافة شؤون الكاتب العدل المرخص.
ويمنح نظام كاتب العدل وزير العدل صلاحية ترخيص محامين وقضاة متقاعدين من ذوي الخبرة وبشروط معينة للقيام ببعض الاختصاصات التي يقوم بها كاتب العدل.
وتعول الوزارة على هذا النظام في توفير الخدمة للمواطنين وكبار السن على مدار الساعة ومساعدة رجال الأعمال الذين يحتاجون لخدمات كاتب العدل خاصة ممن تكون لديهم ظروف خاصة كالاضطرار للسفر في أوقات متأخرة بعد انتهاء الدوام الرسمي لتمكينهم من إجراء المعاملات العدلية وتخفيف الضغط على المحاكم ودوائر كاتب العدل.
ويقتصر الترخيص لكتاب العدل في المرحلة الأولى على مهام التصديق على الإنذارات والتبليغات والإخطارات العدلية والتصديق على الوكالات التي تتضمن أعمال الإدارة والحفظ وكذلك التصديق على العقود التي لا تتعلق بالتصرفات الناقلة للملكية او رهنها، وايضا التصديق على الترجمة القانونية التي لا تتعلق بعقود التصرف في الاموال غير المنقولة او المعاملات التي لا يوجب القانون لها شكلية للانعقاد، وكذلك التصديق على الاقرارات والتعهدات العدلية، والتأشير على الاوراق والاسناد لإثبات تاريخه.
وستزود الوزارة الكتاب العدل المرخصين بالوثائق والاختام والتصاريح اللازمة لأداء عملهم.