الانتخابات القادمة والمتعة الديمقراطية

تتزايد الأحاديث والمناقشات حول الانتخابات النيابية كاشارة انطلاق وليمضي الأردن قيادة وشعبا ومؤسسات ومنظمات لتوفير متطلبات التحول الديمقراطي في مسيرته السياسية،والتي تتمثل بتعزيز دور المواطنين في مراقبة الاداء السياسي وتطويره،وترسيخ الثقافة الديمقراطية في المجتمع الأردني،في اطار الاحترام المتبادل وبلغة الحوار،واتاحة الفرصة للتنافس عبر صناديق الاقتراع،بما يضمن التوافق والارتقاء بتجربة الحكومة البرلمانية،وتعزيز عمل الكتل النيابية وتطوير أسس وأعراف العمل النيابي،وإعداد استراتيجيات بعيدة المدى تعتمد نهجاً تشاورياً في التواصل مع المواطنين،وتطوير الأحزاب السياسية لنفسها لتكون أحزابا برامجية ذات كفاءة وتأثير على مستوى الوطن.
واذا كان الأردن يواجه تحديات كان جلالة الملك قد حددها بالورقة النقاشية الخامسة،بالمحافظة على التوازن الدقيق بين السلطات،وقيام أطراف العملية الإصلاحية بمسؤولياتها،وترسيخ القيم الديمقراطية،وتحقيق النضج السياسي، فان هذا الطرح الملكي يشكل دعوة للمواطنين ليحشدوا طاقاتهم للقيام بالمسؤولية الواجبة.كما يوجه الملك الشباب لكي ينتظموا بالعمل الحزبي والتطوعي،ويشاركوا بالانتخابات المختلفة نيابية وبلدية ونقابية من غير تعصب،ويعملوا على بث روح احترام الدستور والقوانين والأنظمة،وعلى احترام دوري المواطن والمسؤول في دولة المؤسسات.مثلما بشر الملك في ورقته الثانية بتشكيل حكومات نيابية،بخطوات مستمرة ودؤوبة وحثيثة،من غير إقصاء ولا انسحاب ولا مقاومة،من أي من التيارات.
تتزايد الأحاديث حول الحزبية والعشائرية،كلما اقتربت البلاد من موعد الانتخابات،وتفرز الناس لتيارين،الأول يؤيد قيام حركة حزبية تختار النواب على أساس انتمائهم الحزبي وميولهم السياسية،بغض النظر عن انتماءاتهم العشائرية،والثاني يؤيد الإبقاء على الروح العشائرية التي تحافظ على التفاف العشائر حول أبنائها،وإهمال أية ميول حزبية، للمحافظة عما ألفه المجتمع الأردني.
يعاب «العشائري»بأنه يمثل صيغة تقليدية قديمة،لا يجوز الرجوع إليها،بزمن العصرنة والحداثة،وأن الممارسات العشائرية،غذت المحسوبية واهملت المصلحة العامة،بينما يعاب «الحزبي» لأنه يمثل صيغة قسمت الناس وتوقف المزايا والمكاسب على من بيده السلطة وتستبعد من هم خارج الأطر الحزبية،وقادة معظم الأحزاب الجديدة اعتلوا السدة في إطار يبدو ديمقراطيا،ما لبث أن صار وسيلة أمجاد شخصية،أما من انتمى إلى أحد الأطر الحزبية القديمة، فقد بقي تغريده خارج السرب.
ان العشائرية مكون من مكونات نسيج المجتمع الأردني،ممتدة كامتداد دالية العنب،متداخلة متشابكة،لا يرى الناس جذورها وسيقانها، إنما ينظر إلى إنتاجها وثمارها،تلك التي تعود على المجتمع بالنفع والفائدة.لذا لا يجوز أن نغفلها أو نهملها أو نتجاهلها،وبالمقابل أن لا نقبل منها ولها،أن تكون عنوانا لعصبية مقيتة.أما الحزبية فجزء من الحراك السياسي والاجتماعي للإصلاح والتحديث،لا الاكتفاء بالنقد والتشهير ووضع العصي بين دواليب التقدم والإصلاح من جهة، والادعاء بامتلاك الحق والحقيقة من جهة أخرى،هذا عدا عن انهماكها في تنفيذ مآرب شخصية داخلية أو نوايا خبيثة خارجية.
فالعلة ليست في العشائرية،ولا في الحزبية إنما تكمن بالتطبيق والممارسة،تلك التي تحكمها النوايا والرغبات،لدى المنتمين إلى العشيرة والمنتسبين إلى الحزب،وهنا نحتكم إلى صدق النوايا وحقيقة الرغبات،والمهم في النهاية،أن ينخرط الجميع في ورشة البناء الوطني،بفاعلية وعدالة،بدون أي تعصب لفكرة أو اتجاه أو انتماء جزئي،ومن غير انحياز لأية عشيرة أو فصيلة في الخدمة العامة وفرص المواطنة.
لعل الانتخابات القادمة، تكون مختبرا لحسن النوايا،وذات حصيلة موفقة من حسن الاختيار، لمن يتصفون بالانفتاح ويسعون لمصلحة الجميع،ولا يشدون أنفسهم لدائرة ضيقة ولمنفعة محدودة.أما الانشغال بالمقارعة والتفنيد، فكلام لا طائل تحته،يعكر الرأي العام ويعمق الخلاف ويزيد الشرخ، ويفقد المعركة الانتخابية روحها الإنسانية، ومنافستها الشريفة ومتعتها الديمقراطية.