ثانوية عامة وأخرى طامة ..

يوجد قرى في أريافنا لا يتخلف منها فتى واحد عن حيازة شهادة جامعية، وقلت حيازة، وهو لفظ أعنيه، فكثيرون يتجاوزون امتحانات الثانوية العامة، لكنك برغم ذلك لا تجد من لا يصبح محاميا او طبيبا او مهندسا من بين أولئك الذين لم ينجحوا في الثانوية العامة !
هل سألتم : كيف يحوز الراسب على شهادة جامعية في الطب والهندسة والقانون والصيدلة؟!.. سأخبركم ببعض ما أعرف:
كانوا يذهبون إلى دول الاتحاد السوفيتي «شرق»، وباستخدام المال ينخرطون في دراسة مدرسية من نوع «تحصيل حاصل»، ثم يتوجهون إلى جامعات «شرقية أيضا»، فيحصلون على مقعد جامعي من ذات النوع أي «تحصيل حاصل»، ولا يلتزمون غالبا بأي نوع من الالتزام الأكاديمي، فالشهادة تأتي بالنقود غالبا وبقليل من المتابعة والحضور، ثم يعودون للوطن، باعتبارهم حملة شهادات عليا، ولا ينتظرون طويلا ضمن طوابير البطالة عن العمل، بل إن أغلبهم يشرعون في إنشاء مكاتبهم وعياداتهم الخاصة، ويتعلمون «البيطرة على حمير النور» كما يقال، ولا حسيب أو رقيب آنذاك..
تطور حال بعضهم بعد التشديدات التي مارستها بعض تلك الدول حول مثل هذه الشهادات المدرسية والجامعية، فلجأ بعض المتذاكين إلى إنشاء مدارس خاصة تحمل اسماء دول معينة، لكن مقرها في دول أخرى، فمثلا يمكن تأسيس مدرسة ليبية في تركيا أو في بلد افريقي كموريتانيا أو في السودان..وكذلك مدرسة أوكرانية في أي بلد خارج أوكرانيا، وغالبا تكون مملوكة أو بشراكة مع أشخاص من نفس «العلبة»، وهم مستثمرون في غياب الرقابة والقانون يتصيدون المال من خلال منح شهادات لا تساوي قيمة الورق والحبر، لكن الأمور «بتزبط» مع الطلبة، فيستمرون بالمحاولات حتى يحصلوا على مرادهم فيحوزوا على شهادات هنية عليا كالطب والهندسة وغيرها.. ثم يعودون هنا ويقومون بمزاولة تلك المهن..الخ القصة.
لكن زمن أول حول، وقامت الدولة الأردنية ممثلة بثلاث جهات معنية بالتعليم بوضع حد لمثل هذه الممارسات الالتفافية على القوانين والمنطق والعدالة، ومنذ أكثر من عام حسب وزير التربية والتعليم وحسب خطابات التعليم العالي لوزارة التربية، تم تحذير الناس في مختلف وسائل الاعلام، من السقوط في مثل هذه الممارسات وعدم ايفاد أبنائهم أو تسجيلهم «عن بعد» بمثل تلك المدارس، وكذلك تم إقرار الامتحان التحصيلي لكل من يحمل شهادة ثانوية من مدرسة خارج الأردن، ولم يخضع الامتحان في تلك الدولة إلى برنامج اختبار وطني معترف به من قبل الأردن، ويستطيع أي أردني أن يحوز على أي شهادة ثانوية، لكنه سيخضع للامتحان التحصيلي ان كانت شهادة الثانوية الحاصل عليها لم تخضع لاختبار وطني في دولة الشهادة المذكورة..
وكذلك تفعل وزارة التعليم العالي مع الشهادات الجامعية في أي تخصص من خارج الأردن، فإن لم تكن شهادة الثانوية مطابقة للشروط المذكورة فلن يتم الاعتراف بالشهادة الجامعية..
هذه هي عين العدالة والمنطق، فالذي لا يعجبه امتحان الثانوية العامة في الأردن ولا يستطيع تجاوزه بمعدل يؤهله لدخول كليات بعينها، لا يمكنه بعد اليوم الالتفاف على القوانين والمنطق والصواب ويحوز على شهادات عليا لينافس المواطنين الذي سهروا وتعبوا ودفعوا دماء قلوبهم كي يعلموا أبناءهم.. وحين يقوم مواطنون بالاعتراض على هذه التعليمات فهم بكل تأكيد لا يعتبرون أنفسهم كسائر المواطنين، ويريدون استثناءات «قاتلة»، بأن يفرضوا أبناءهم على الدولة والمجتمع الأردني رغم عدم قانونية ما يقومون به..
قلنا لكم بأن «زمن أول حول» فاحترموا الناس والدولة والقوانين، واختاروا لأبنائكم ما يتوافق مع امكانياتهم وتخلصوا من تلك الثقافة المبنية على التنافس غير الشريف وعلى التذاكي والالتفاف على حقوق الناس..