نتنياهو «دَفَنَ» المبادرة الفرنسية.. ماذا أنتم فاعلون؟


 

وُلدت ميتة...»المبادرة» التي طرحها لوران فابيوس, قبل ان يُغادِر الخارجية الفرنسية ليخلفه فيها رئيس وزراء آخر (مثله تماماً) هو جان مارك ايرلوت، لكن مع «طُعْمٍ» اشبه بالفخ قدمه فابيوس لسلطة رام الله، كان يعلم انه لن يجد طريقه الى التنفيذ, وهو ان فرنسا ستعترف بدولة فلسطينية مستقلة اذا فشلت المساعي الفرنسية.
من أجل «فخ» كهذا, قدمت السلطة الفلسطينية المزيد من التنازلات وأقنع أركانها أنفسهم بأن العام الجاري سيشهد تحولاً نوعياً في علاقة السلطة باسرائيل وان الأخيرة ستكون «مُحرَجة» أمام الرأي العام الدولي (..) وخصوصاً أمام الاتحاد الاوروبي, الذي «لن» يسمح باجهاض المبادرة الفرنسية فضلاً عن حملة اعلامية مركزة شنّها «المُتعاطفون» مع السلطة وهي ان اميركا التي ساءت علاقاتها مع اسرائيل وبخاصة بعد تدهور علاقات اوباما بنتنياهو واستعداد الأول لتصفية حساباته مع الثاني، فانه (اوباما) سيكون مُتحرِّراً من اي التزام نحو اسرائيل في الأشهر الاخيرة لولايته الثانية، ولن يستخدم «الفيتو» في أي قرار يدين الاستيطان او يندد باسرائيل.
هكذا...في سيناريو اشبه بالفيلم المصري الشهير «لبن سمك تمرهندي» عاش الفلسطينيون اشهراً أُخرى من الأوهام، تارة في تصريحات يُدلي بها نبيل ابو ردينة يتحدث فيها عن «قرارات» غير مسبوقة, وعن مواقف ستغير تفاصيل مشهد الصراع، وتعيده الى مربعه «النضالي» الأول وغيرها من الأوصاف والمصطلحات التي يُتقِن صائب عريقات اطلاقها في مناسبة وغير مناسبة، على نحو تتواضع أمامها – مثلاً – التهديدات بوقف التنسيق الامني او حل السلطة وتسليم «المفاتيح» لاسرائيل..
آخر هدايا السلطة المجّانية, كان قبولها «التمني» الفرنسي عليها بعدم طرح مسألة المستوطنات على مجلس الأمن، بحجة ان ذلك الطرح يمكن ان يؤدي الى «إحباط» المبادرة!! وقد كان لفرنسا ما أرادته, دون ان تُقدِّم أي «ثمن» لهذا التمني، بل ان وزير الخارجية الفرنسي الجديد ايرلوت, تنصّل من تعهّد سلفه (الكلامي كما يجب التذكير) وقال ان مثل هذا الاعتراف سابق لأوانه.
لم يتأخر رد نتنياهو على ما وُصِف بالمبادرة الفرنسية وقال الناطق باسم حكومته: ان اسرائيل «مُتمسِكة» بموقفها.. ان المفاوضات المباشرة، هي الطريق الأفضل لحل الصراع, وهي «مستعدة» للعودة «فوراً» الى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة. كلام استعلائي متغطرِس ومضلّل، لكنه واضح وصريح ومباشر، لا يحتاج الى مزيد من التدقيق أو البحث عن المسكوت عنه في أسطره القليلة, أو حتى الذهاب بعيداً في نفي أن نتنياهو يقول للعالم اجمع (كما قال له عن بقاء الجولان السوري في قبضة اسرائيل الى الابد وانها لن تنسحب منه) وخصوصاً للفلسطينيين... ان الامر لي وانكم لا تخيفونني, ولم يكن لاسرائيل مثل هذه الظروف الدولية والاقليمية الملائمة طوال السبعة عقود من عمرها, ولِهذا أعلى ما في خيلكم.. فلتركبوا وانا في انتظاركم إن رغبتم..
فهل ثمة شكوك في ان باريس لن تتحرك وستواصل تلعثمها ولن تتقدم خطوة شجاعة الى الامام, كي تثير القضية أمام الاتحاد الاوروبي الذي تقوده (والمانيا) أو تذهب «منفردة» الى مجلس الامن, كي تجعله يتبنى مبادرتها, أو يأخذ على عاتقه مهمة انقاذ الاوضاع المتدهورة في الضفة والقطاع بعد أن تجاوزت حكومة اليمين الفاشي في اسرائيل المدى وارتكبت من جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية ما يأخذ قادتها مكبلين الى المحكمة الجنائية الدولية؟
لن تكون فرنسا – أو غيرها – اكثر فلسطينية من الفلسطينيين أنفسهم, وما دامت سلطة رام الله تكتفي بادارة ازمتها الذاتية والسلطوية مع الاحتلال, وتواصل التنسيق الامني وتتخذ المزيد من القرارات الرامية الى تويتر علاقاتها مع الفصائل الفلسطينية المتحالفة معها مثل الديمقراطية والشعبية (وليس فقط حماس) عندما قطعت عنهما المخصصات الشهرية لانهما ابديتا رأيهما في ممارسات السلطة «السياسية», وما دام التنسيق الامني يشهد زخماً ويُفاخِر اهل السلطة ومسؤولو اجهزتها الامنية بأنهم «احبطوا» أكثر من عمل «ارهابي» (اقرأ مقاوم) فإن أحداً لن يأخذ التهديدات الكلامية التي يطلقها اهل السلطة بجدية او يبالي بانعكاس ذلك على اوضاع الشعب الفلسطيني في الضفة الذي يُعدَم فتيانه وشاباته ميدانياً, دون أي احتجاج أو تنديد من السلطة.
لكن.. ما هي المبادرة الفرنسية اصلاً؟
ليس ثمة جديد في المقترح الذي حُمِّل زوراً اسم «المبادرة» حيث قالت فرنسا على لسان وزير خارجيتها السابق لوران فابيوس: ان باريس ستسعى مع الاوروبيين والاميركيين الى عقد «مؤتمر دولي» لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ونقطة على السطر.
بعد ربع قرن على مسيرة اوسلو العبثية, التي كرّست الاحتلال وجعلت من اوسلو فعلياً وثيقة تخلّى بموجبها موقعوها عن الحق الفلسطيني, اكتشف الفرنسيون (وهم ليسوا سذجاً) أن المؤتمر الدولي يشكل بديلاً.. فهل هذه مبادرة؟ أم أنها مجرد شراء للوقت ولعب على وتر التصدعات والانهيارات في المنطقة, ما يمنح الفرصة للاحتلال كي يُصفّي القضية الفلسطينية ويغدو كاتباً ومُقرِّراً لجدول أعمال المنطقة.. بأسرها؟
أطرف ما في الموضوع أن ناطقاً باسم السلطة قال: ان رفض اسرائيل للمبادرة الفرنسية يعني أنها «لا» تريد حل الدولتين؟
صح النوم.. اضحكتمونا فعلاً.
kharroub@jpf.com.jo