دونالد ترامب....وشعار" أميركا أولا".


قبل أيام ووسط نجاحاته المتتالية التي جعلته الأقرب بين الجمهوريين للفوز بترشيح الحزب لكرسي الرئاسة الأميركية، قدم دونالد ترامب رؤيته الشاملة لأميركا في حال فوزه بالانتخابات التي ستتم في مطلع تشرين الثاني من هذا العام. أميركا القوية ينبغى أن تأتي أولا وتتقدم مصالحها على كل الاعتبارات والاهتمامات الأخرى.

ترامب الذي خاض الانتخابات الأولية على أجندة جدلية لم تخلُ من الشعارات والأفكار والسياسات الخلافية، حافظ، ومنذ انطلاق السباق، على المركز الأول بين المتسابقين من الحزب الجمهوري دون أن يغير كثيرا في خطابه المثير للجدل والمستفز للعديد من مكونات المجتمع الأميركي وبعض الشعوب والثقافات التي لم يتردد في الإشارة اليها.
في خطابه الأول حول السياسة الخارجية الأميركية انتقد ترامب السياسة الخارجية التي وصفها بالضعف والتردد وغياب الرؤية وغموض الأهداف، الأمر الذي أسهم في تراجع دور الولايات المتحدة العالمي واستغلالها من قبل الحلفاء والقوى الأخرى. فالولايات المتحدة من وجهة نظر ترامب تنفق على حماية حلفائها دون تحميلهم تبعات الحماية وتجامل خصومها التقليديين على حساب اصدقائها وتتردد في اتخاذ القرارات الحاسمة حيث يتناسى ساستها أنها انقذت العالم مرتين؛ الأولى عندما وضعت حدا للحرب العالمية الثانية فأوقفت تقدم الألمان في أوروبا وقهرت اليابان منهية معاناة الشعوب التي تعرضت لعدوان النازية وحلفائها. كما نجحت مرة أخرى وبفضل حكمة وتصميم رونالد ريغان في دفع ميخائيل غورباتشوف إلى إحداث تحول في مسعى النظام الشيوعي وتحقيق الانفتاح الذي نشر الديمقراطية في أكثر من خمسين بلدا في العالم.
ظاهرة دونالد ترامب الذي يحمل أفكارا جديدة محيرة. فمن ناحية يبشر الرجل بسياسات غير تقليدية تتراوح بين منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة وبناء جدار عازل بين أميركا والمكسيك وترحيل أكثر من 11مليون مهاجر غير شرعي ووضع قيود على الاقتصاد الصيني تمنع بكين من تخفيض قيمة عملتها حفاظا على تبادل تجاري متوازن، إضافة إلى مراجعة الاتفاقيات التي أبرمتها الولايات المتحدة وشركاؤها مع إيران والدعم اللامتناهي لإسرائيل بصفتها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. ومن ناحية أخرى يتحدث الرجل عن التزامه بقيم الحرية والديمقراطية وحقوق وكرامة الإنسان.
التناقض الظاهر في خطابات وتصريحات ترامب تثير الكثير من الأسئلة حول ما إذا كان ترامب يخاطب الأميركيين متأثرا بكونه أحد نجوم تلفزيون الواقع، فيتواصل مع المشاهد وفي ذهنه ما يحب أن يراه أو يسمعه المشاهد أو كما يقال باللهجة المصرية "الجمهور عاوز كده"، فيحاول أن يظهر اختلافه مع الساسة الذين أداروا ملفات بلادهم من خلال مخاطبة مخاوفهم ومكنونات اللاوعي بما فيها من قلق وخوف وتوتر، ليبين لهم أنه يعي ما يدور في أذهانهم فيقترب منهم. لقد أشار ترامب أكثر من مرة إلى أنه يرغب في أن يغيّر في الطريقة التي تدار فيها الحملات وتنظم فيها المهرجانات الخطابية لتصبح أكثر جاذبية وإثارة؛ فالطريقة التقليدية مملة وتفتقر إلى الحيوية والإثارة التي يتطلع لها الجمهور.
دونالد ترامب يمارس حقه كمواطن أميركي في الترشح ويعرض أفكاره وتصوراته على الناخبين دون أن يحظى بمباركة جهة أو خشية أن لا تعجب أحدا، ودون الالتفات إلى معارضة، فهو يحب أميركا على طريقته وهكذا يرى قوة أميركا، ومن يقرر صحة وملاءمة ما يعرض من أفكار وسياسات هو الناخب الأميركي ولا أحد غير الناخب الأميركي. نتمنى أن نرى بين ساستنا من يملك تصورا لأردن تتقدم مصالحه على كل المصالح ويطرح تصوراته على ناخبين يعطون رأيهم حولها بحرية.
الديمقراطيات تتيح لمواطنيها أن يحبوا وطنهم وبلادهم بالطرق التي يرونها ضمن الأطر العامة التي يحترمونها ويلتزمون بها.