عن الفلسفة والحرية 2/3

إن فينا لا ريب مدرسين للفلسفة، وإن في هؤلاء لَمَنْ يجاهد جهادا مضنيا ليزرع حب الفلسفة في تلامذته واصدقائه ومحبيه، ومن يسلخ السنين من عمره وهو يترجم اعمالا فلسفية غربية او شرقية من شتى العصور، ومن يحقق اعمالا فلسفية من تراثنا العربي الاسلامي.
كما ان فينا كُتابا كبارا موسوعيين استهوتهم الفلسفة واصدروا كتبا قيمة في كثير من مباحثها.
ولكن ذلك كله، وهو جدير باعمق التقدير، محقق – في المقام الاول – لشرط واحد من الشروط المتلازمة المذكورة آنفا هو «الهاجس المعرفي» الذي يدفعنا الى تبيّن «ما هنالك» او الى تدبّره لون تُدبّر، او الاعتبار على نحو ما به.
وإذا كان لنا ان نسمي ذلك «نجاحا» نسبيا او خطوة بالغة القيمة، فإن علينا ان لا ننسى ما هي متواشجة به من شرط الحرية وشرط الوجدان الذاتي وشرط الهدأة والمستراح.
ولما كانت الحرية،التي هي ام الشروط وقوامها غائبة، كما نتحقق او كما نسمع ونرى ونبلو في عالمنا العربي، فإن ما يمكن ان ينهض من تمازج الشروط الثلاثة الاخرى – في حال تحققه – قد يوهم بعضهم بقيام فلسفة ما، هنا او هناك، عند هذا المفكر او ذاك، لكن من يرى الى تلازم شروط الفلسفة على نحو ما أشرنا اليه واشبعناه توكيدا لا يغفل عن حقيقة الفلسفة وراء ذلك، ولا يرتضيها الا بشروطها مجتمعة، ولا سيما «الحرية» ذلك الغائب العزيز.
إن قصارانا من الامر في حال طال غياب هذا الشرط الحاسم هو مضاهأة الآخرين من اسلافنا العظام او من فلاسفة الامم الاخرى، قديما وحديثا، او اجتهاد واقعٍ دون حقيقة الفلسفة، او تعِلّاتٌ مختلِفات مما تطمئن اليه الانفس حين تستفرغ وسعها فيما لا تطيق، او فيما لم تتكامل اسبابه او يحضر اوانه.
قد يقول قائل إن هذه الشروط كلها نسبية لا مُطلقة، وإنها رهينة واقع ماثل، غير محلقة بحالٍ فوقه، وإنها لم تتوافر متلازمة لا لسقراط وافلاطون وأرسطو، ولا للفارابي وابن سينا وابن رشد، وإن كلا من هؤلاء، ومن اضرابهم، كان يأخذ بطرف من هذا الشرط وبطرف من ذاك، ولا يأخذ بها جميعا