الإخوان والأردن



الإخوان في الأردن هم إخوة لكل مواطن فيه . فإذا كانت أعداد المسلمين من سكانه تتجاوز نسبة (97%) , فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : (المسلمُ أخو المسلم) هكذا حكماً شرعياً . ويترتب عليه أن الأخ لا يظلم أخاه ولا يخذله أنى كان جنسه أو لونه أو لغته , عربياً كان أم أعجمياً . أما غير المسلمين فهم إخواننا في المواطنة . لهم ما لنا وعليهم ما علينا ما داموا لا يتعرّضون لنا ولحرماتنا بأذىً , بل إننا مطالبون في ديننا أن نحرس مقدساتهم ونحمي ممتلكاتهم .
والإخوان المسلمون في هذا البلد العزيز هم من أبناء عشائره الكريمة الضاربة في طول الوطن وعرضه منذ مئات السنين , وقد بنته بعرق جبينها وكدِّ يمينها , معتزة بعبوديتها لله الواحد الأحد , متغنية بحب الإسلام وعشق رجاله الفاتحين الذين طهّروه يوماً من دنس الرومان ولؤم اليهود , ليكون كامل الحرية ينطلق صوتُ آذانه بِـ (الله أكبر) فوق كل شرف , ليس على حريته الدعوية لنشر الخير والمعروف أو على رفعه راية الجهاد لتحرير الديار أيُّ قيدٍ , لأن الله خلق ناسه أحراراً موحّدين .
إن الإخوان المسلمين في الأردن وفلسطين – وهما بلد واحد لا تنفصم عراه – هم ولا فخر إخوانُ رجاله الأجلاّء : كايد مفلح العبيدات الذي هاجم مستعمرات اليهود منذ بداية العشرينيات من القرن المنصرم , وناجي العزام وحديثة الخريشة اللذين رفضا أن يوقف الجهادُ في فلسطين , وفارس العتوم الذي قتله الإنجليز شنقاً في عكا سنة (1939م) لاشتراكه بالثورة الفلسطينية وقتله العديد من اليهود . وهم إخوان نايل بن حمْد بن جازي الشهيد على أرض فلسطين سنة (1948م) , وتلامذة زعيمهم الحاج عبد اللطيف أبو قورة الذي قاد من عمان كتيبة أبي عبيدة من المتطوعين من أبناء هذا البلد إخواناً وغير إخوان لقتال اليهود في فلسطين . وكان من رجالاتها محمد الفايز بني صخر , ومن أصدقائها المقرّبين شيخ الحويطات هارون بن جازي رحمه الله .
أجل , نحن إخوان القائد البطل محمد الحمد الحنيطي قائد منطقة حيفا وغيرها الذي فعل الأفاعيل باليهود في حرب فلسطين ثم استشهد رحمه الله . وإخوان المقدام عبد القادر الحسيني الذي كان البنا ورجاله يزوّدونه بالسلاح في حين كانت الجامعة العربية لا تعطيه إلا النزر والتافه من العتاد , وإخوان القسام الذي أرسل البنا منذ الثلاثينيات إليه من إخوانه من يدرب رجاله على استعمال السلاح لمقاتلة الإنجليز واليهود في فلسطين وإخوان أحد قادتنا المشاهير السيد أحمد الخطيب الذي كان مكلفاً في حرب الـ (48) بمهاجمة اليهود في منطقتي طبريا وسمخ . وقد مات رحمه الله وشظيةٌ من إحدى طلقات العدو كامنة في أحشائه .
نحن الإخوانَ في هذا البلد العزيز الذين رحنا مبكّراً نشمّر عن ساعد الجِدِّ لمقاتلة اليهود ومدافعتهم عن فلسطين والأردن , ونسعى لبناء المدارس والكليات الأهلية فيه لتقف في وجه الإرساليات الأجنبية والمدارس التبشرية , ونبني المشافي الشعبية , ونكوِّن الجمعيات الخيرية التي تنفق على الأرامل والأيتام والضَّياع . ونقف بقوة مع البلد ووحدته ضد سيل المؤامرات والانقلابات العسكرية والفوضى الحزبية والأفكار الدخيلة . فكنا فيه والحمد لله , صمّام أمانٍ نساهم بقدر غير قليل باستقراره والتصدي للعدوان عليه , ومن أوائل المطالبين كذلك بطرد الإنجليز من على ترابه الطهور ورفض الأحلاف العسكرية المذلة , والوقوف بجانب الحريات وحقوق العمل والعمال .
وعليه , فلماذا نُؤذَى اليوم ونحن من بُناة هذا القطر ومعمِّريه , وصائنيه من الخراب , والمدافعين عن ثراه المقدّس ؟! إن ذلك ليس بأية حال في مصلحة الوطن ولا في مصلحة المواطنين ولا حتى في مصلحة الحكومة نفسها . إنَّ ما يؤذى به الإخوان اليوم من الحكومة بخلق أناس يُرتَّب لهم على عيونها لينازعوا الجماعةَ الأمَّ المقادَ , إنما هو ولا مراء , لعب بوحدة البلد ونسجيه الاجتماعي . فلتعدل الحكومة عنه حتى لا تقع بتقدير من الله بشرّ صنيعها , وهي تعلم والناس يعلمون كذلك أن الإخوان في الأردن هم فيه شجرة زيتون بعيدة الغور راسيةً راسخةً . وهم والأردن في اجتماعهما الصميم كالفرقدين اللذين لا يمكن أن ينفصلا عن بعضهما بعضاً إن انفصل غيرهما كما قال الأول : (وكلُّ أخٍ مفارِقُهُ أخوهُ , لعمرُ أبيكَ إلاّ الفرقدانِ) .
وانطلاقاً من هذا , أليس الإخوان في الأردن والحال هذه , وهم تلامذة رسول الله وحاملو لواء دعوته وأبناء الصحابة العِظام وعشائره الكِرام , إن لم يكونوا أحق من غيرهم به وبتقديره وصون مقدراتهم , فليسوا بأية حالٍ بأقلَّ من أي طرف آخر في الاحترام والتقدير , والحفاظ على مكتسباتهم وممتلكاتهم ؟! فلمَ هذا الإيذاء الذي لا مسّوغ له إذن يا تُرى وهو الذي له ما بعده من عقابيل أدواء نحن والبلد والناس أجمعون في غنىً عنه ؟! وأخيراً فإني لا أجد معبِّراً عن حبِّ الإخوان للأردن مثلما عبّرت عنه هذه القصيدة الرائعة لأحد شباب الإخوان النابهين في هذا البلد :
سَلِ الإخوانَ يا أردنُّ عهداً تَجِدْ توقيعَهُمْ بالدَّمِّ جُنْدا
تَجِدْ أرواحَهُمْ كالطَّيرِ تَشْدُو تُحلِّقُ في سماءِ المجْدِ مَجْدا
فإنّا معْشَرَ الإخوانِ قلبٌ يهِيمُ بتُرْبِهِ شوقاً ووجْدا
وإنّا في أراضيهِ جُذُورٌ وفَرْعٌ شامِخٌ كالسَّيْفِ حَدّا
وإنّا مَعْشَرَ الإخوانِ صرحٌ عتيقٌ جاوزَ البنيانَ عهْدا
وسِفرٌ يحفظُ التاريخَ درساً ويروي قِصّةَ الوطَنِ المُفَدَّى
نشأنا والبِلادَ معاً فكنّا على طُولِ المدى كَفّاً وزَنْدا
وقد عقدتْ لنا في القَلْبِ وُدّاً فَوَقّعْنا لها في القَلْبِ عَقْدا
وسَيّجْنا القُلوبَ لها دُروعاً لِتَحْمِيَ جِيدَها حَرّاً وبَرْدا
وكُنّا الشَّوْكَ يَكْلؤُهُا إذا ما يَدُ الأعداءِ مَسَّتْ مِنْهُ ورْدا
وكُنّا إنْ تَصَدَّتْ للعَوادِي ونادَتْنا فأوّلَ مَنْ تَصَدّى
لَقَدْ عِشْنا وما زِلْنا حُماةً صُقُوراً في روابِيها وأُسْدا
فواعَجَباً لِمَنْ يَسْعَى بِحِقْدٍ لِيُشْعِلَ بَيْننا ناراً وحِقْدا
ويَقْطَعَ وصْلَنا ويَشُقَّ صَفّاً ويَصْدَعَ صَرْحنا لِيُقِيمَ سَدّا
ألا تَبَّتْ يداهُ فذاكَ عَبْدٌ حَقيرُ الشّأنِ ما أشقاهُ عَبْدا
وبُعْداً للوُشاةِ فَقَدْ تَوَلَّوْا حَدِيثَ الإفْكِ بُهتاناً فَبُعْدا
ألا خَسِئُوا وخابُوا يا بِلادِي إذِ ازْدَدْنا بِرَغْمِ الكَيْدِ وُدّا
لَقَدْ زِدْنا ولاءً وانتماءً وفاءً صادِقاً وازدَدْتِ مَجْدا
فَعِشْ للخُلْدِ يا أردُنُّ حُرّاً مَعَ الإخوانِ نَحْوَ الخُلْدِ خُلْدا