أي مكسب إذ يخسر الوطن؟!

نتيجة العديد من القرارات الاقتصادية القاسية التي تستهدف أساساً تعزيز نمو بند الإيرادات العامة، التصقت بالحكومة الحالية صفة "الجباية"، حتى صارت هذه الأخيرة مصدر إزعاج مباشر وصريح لرئيس الوزراء د. عبدالله النسور، رغم ماضيه كبرلماني لطالما دافع عن أحوال الناس المعيشية إبان وجوده تحت القبة.
إذ إن استخدام التوصيف المنغّص على الحكومة تجاوز مناكفيها خصوصاً، كما النخب والمتابعين، ليبلغ القواعد الشعبية. وكلنا شهدنا انتشار النكات الشعبية التي تنتقد سياسات الحكومة الجبائية، في تدليل على أن الناس قد ضاقوا ذرعا بهذه السياسات.
ما لا تدركه الحكومة الحالية، بافتراض حسن الظن، هو مدى تأثير سياساتها "الكارثية" على مزاج الناس، وبالتالي حجم الأذى الذي توقعه على الأمن الاجتماعي، من حيث تقصد أو لا تقصد؛ لاسيما أنه لم تكد تبقى شريحة، مقتدرة ماليا أو غير مقتدرة، إلا أصابتها بعض من "صليات" جبائية هذه الحكومة.
أحد أحدث القرارات في هذا السياق، ولا يتوقع أن يكون آخرها على ما يبدو، اتُخذ مطلع نيسان (أبريل) الحالي، بزيادة ضريبة الدخل على شركات النقل، من دون أدنى مراعاة للوضع المزري الذي يعاني منه القطاع! وبحيث بلغت هذه الزيادة أربعة أضعاف الرقم المفروض سابقاً في حالة شركات سيارات التاكسي تحديداً، إذ صارت مكلفة بدفع 500 دينار عن السيارة الواحدة، بدلاً من مبلغ 125 دينارا!
القرار لم يتضح بعد مدى تأثيره على قطاع النقل الذي يئن من آلام كبيرة نتيجة تعطله خلال السنوات الماضية، لاسيما في حالة الشاحنات التي خسرت مجمل عملها تقريباً، نتيجة إغلاق الحدود مع العراق وسورية، لكن الحكومة برغم ذلك قررت فرض ضريبة عليها تقترب من 700 دينار للشاحنة الواحدة، وبما لا يعني أقل من تكسير إضافي للقطاع.
أما القرار الحديث الآخر الذي يصب في غاية الجباية ذاتها، فيتعلق برفع الحكومة الضريبة على المقاولين، من دون التفات إلى حالة الركود التي يمر فيها القطاع، والشكوى المستمرة من القائمين عليه. هكذا، وبدلاً من التفكير في اتخاذ قرارات تحفّز القطاع، تتم زيادة ضريبة الدخل عليه من 1.2 % إلى 2.5 %!
جميع القرارات والتوجهات تؤكد أن الحكومة لم تخرج عن الإطار التقليدي في معالجة الاختلالات، ولاسيما حل أزمتها المالية ممثلة في عجز الموازنة تحديداً، بعيدا عن جيب المواطن؛ وإدراك أن القرار مهما قل أثره المالي على الفرد من وجهة نظر الحكومة، فإنه يظل يعني الكثير لمواطن لم ينمُ دخله خلال السنوات الماضية ولو بمقدار ضئيل.
خطيئة زيادة الضغوط على المجتمع، فيما الحكومة في حال عجز اقتصادي، يُترجمه انتفاء القدرة على تخفيض نسب الفقر وخلق فرص عمل للشباب، وحتى ضبط سوق العمل. فهكذا ضغوط تخلخل معادلة الاستقرار، بزيادة استفزاز المجتمع، ودفعه ربما بالنتيجة إلى الخروج مجدداً إلى الشارع احتجاجا. وأخطر من ذلك أن تدفع الحكومة بسياساتها، ومن حيث لا تدري، هذا المجتمع إلى التطرف أيا كان شكله؛ فكريا أو مسلكيا.
الحل، من جديد، يتمثل ابتداء في ضبط الإنفاق العام، ووقف تعيينات التنفيعات التي ترهق الموازنة، وتزيد من حجم القطاع العام بالنسبة لحجم الاقتصاد ككل. لكن يظهر أن الحكومة ما تزال تدير المعادلة على العكس مما هو مطلوب، والمتمثل في توسيع قاعدة الاقتصاد لصالح القطاع الخاص.
وضمن هذا الحل، لا بد من جذب الاستثمار لا "تطفيشه"، بما يقتضيه ذلك من ابتعاد عن ممارسات ابتزاز المستثمر والانتفاع منه لمصالح شخصية في حالات كثيرة. ذلك أن مكتسبات البعض، مهما كبرت، تظل -عدا عن عدم مشروعيتها اساساً- لا تساوي شيئا أمام خسائر الوطن الكبيرة.
بكلمة؛ مضار القرارات الجبائية أكبر بكثير من منافعها، وهي ليست إلا دليلا على قصر نظر ومحدودية تفكير.