نقباء خارج عباءة التيارات السياسية

خلال الأيام المنصرمة، أعلن نقباء منتخبون لاثنتين من النقابات الفاعلة في الحراك المهني، أن لا مكان للسياسة بين ظهرانيّ نقابتيهما، و بدأت السلسلة مع انتخاب نقيب المعلمين الذي حاول أحد الأحزاب اليسارية ركوب موجة فوزه و الايحاء للرأي العام بأن النقيب الفائز يمثل تياراً سياسياً معيناً، فخرج النقيب المنتخب إلى الإعلام و أعلن بأن أجندة النقابة ستكون مهنية و بعيدة عن السياسة و رد على تهنئة الحزب اليساري المذكور بأن من يريد العمل في السياسة عليه الذهاب إلى حزبه!
نهاية الاسبوع الماضي، انتهت نتائج انتخاب نقابة الأطباء إلى فوز طبيب متقاعد من القوات المسلحة يمثل المستقلين بموقع النقيب فسحب البساط من تحت أقدام تيارات سياسية سيطرت لفترة ليست بالقليلة على النقابة، فكانت المفارقة أن التيار السياسي الخاسر بدأ يروج بأن النقيب المنتخب يمثل «الأخوان المسلمين» فظهر الأمر و كأنه «أخونة» للرجل من أجل تغطية خجل التيار السياسي المذكور من التسليم بانتصار المستقلين على أصحاب الأجندات الحزبية، فما كان من النقيب الجديد إلا أن خرج مضطراً يعلن للإعلام أنه لا يمثل أي تيار سياسي أيضاً!
ما الذي حدا بالتيارات السياسية هذه أن تدخل ما يسميه الطب النفسي (Denial Stage) أو مرحلة الانكار.
الانتخابات البرلمانية المتعاقبة كشفت حقيقة أن الأحزاب السياسية «غير اليمينية» عانت من تراجع حصتها السياسية على مدى عقود إلى الحد الذي تسبب في عدم حصول الأحزاب اليسارية، إذا ما اتخذناها مثالاً، على أي مقاعد، و إن حدث
وإن حصلت على مقعد أو إثنين في أحسن الحالات فمرد ذلك أن النتيجة مبنية في أغلب الأحيان على قاعدة عشائرية واسعة للمرشح أو اعتبارات لا سياسية!
في النقابات، الأمر يختلف، و إذا ما تعاملنا مع حقيقة أن المسجلين للاقتراع في الانتخابات النقابية لا يتجاوزون العشرين في المئة و أن نصفهم أو أقل من يتوجهون لصناديق الاقتراع فعلياً نجد تفسيراً لتشبث التيارات السياسية هذه بالنقابات، فالنقابات باتت متنفسهم الوحيد بحيث أصبحوا يتعاملون مع الفوز إن حصل على أنه انتصار تاريخي في حين أن الحقيقة غير ذلك و هي أن معظم من لا يزل لديهم اهتمام بمجريات الانتخابات النقابية هم أولئك المنتمين للتيارات السياسية هذه و هم في حالات الانتخابات النقابية، مع أقاربهم
ومن يمونون عليهم، يمثلون معظم المقترعين و بحسبة بسيطة فإن ألفاً إلى ألفي عضو من بين ما ينيف عن عشرة الالاف أو أضعافها (يختلف الرقم من نقابة إلى أخرى) يتحكمون باختيار النقيب و إذا ما عدنا إلى علاقة التيارات السياسية مع الانتخابات النقابية نجد أن التيارات هذه تجد موطئ قدم في النقابات بالاستناد إلى ألف عضو في حين أن هذا الأثر يتلاشى في الانتخابات البرلمانية التي تحتاج زخم تصويتي لا يمكن أن يتوفر للتيارات هذه صاحبة الحصة السياسية الضئيلة.
ما جرى في انتخابات المعلمين و الأطباء هو انقلاب شرس على التيارات السياسية في النقابات و تثبيت لحقيقة سرقتها الصراعات السياسية التي استخدمت النقابات المهنية، و هي الحلقة الأضعف، مسرحاً لها، و هي أن النقابات المهنية تجمعات مهنية بحتة و لا تصلح لخلط السياسة مع المهنة و أن تجربة عقود مرت أكدت فشل تسييس النقابات و ضرورة أن يفرض المستقلون و هم الأغلبية كلمتهم و يوقفوا اغتصاب النقابات من قبل التيارات السياسية.