أين يقف الاردن اليوم..؟!

الاجابة على هذا السؤال تحتاج الى توطئة، فعلى امتداد السنوات الخمس الماضية حاول الاردن ان يخرج من مخاضات الربيع العربي، وحاول ان ينأى بنفسه عن الحرب التي اشتعلت في المنطقة، وعن التحالفات التي انطلقت لتأجيجها تارة ، وادارتها تارة اخرى.
نجح الاردن احيانا واخفق احياناً اخرى، كانت "الاخفاقات” مفهومة في سياق طبيعة المرحلة وتناقضاتها وتسارع الاحداث فيها، لكن ما لم يكن مفهوماً هو تكرار الرهانات الخاطئة على بعض القوى والاطراف الفاعلة او استعدائها احياناً، وعدم القدرة على "التكيف” مع الاوضاع والخرائط الجديدة، وبالتالي " انتزاع” ادوار تتناسب معها.
الآن حين ندقق في الخارطة السياسية سنجد ان لدينا ثلاث قوى فاعلة في الاقليم تحاول ان تملأ الفراغ الذي نشأ بعد اختفاء الحواضر العربية الكبرى، هذه القوى هي : ايران وتركيا والسعودية، وليس بعيدا عنها –بالطبع- اسرائيل التي "تتربص” بانتظار فرصتها وفريستها ايضا ، يمكن ان نلاحظ ان "المسافات” بين الاردن وكل من القوى الثلاثة اخذت في التباعد، ففي الاسبوع الماضي استدعت الحكومة الاردنية سفيرنا في طهران احتجاجاً على السلوك الايراني ضد جيرانها العرب، وقبل اسبوعين لم تسفر الزيارة التي قام بها رئيس وزراء تركيا لعمان عن "اختراق” يذكر في العلاقات بين البلدين، وفيما لاحظ المراقبون ان علاقاتنا مع المملكة العربية السعودية تمر بحالة من "البرود” جاءت زيارة ولي ولي العهد السعودي لعمان كمحاولة لفتح آفاق جديدة تعيد لهذه العلاقات جزءاً من العافية.
ليس بعيداً عن هذا المشهد، كانت زيارة الملك سلمان لكل من القاهرة وانقرة، وما جرى فيهما من تفاهمات وما ترتب عليهما من "تساؤلات” ، ايذاناً بانطلاق القاطرة السعودية نحو محطة جديدة في بناء العلاقات وتشكيل التحالفات، لم يكن الاردن حاضراً في المشهد بالصورة التي كان يجب ان تكون، بعد ذلك جاءت القمة الخليجية التي غاب عنها الاردن، ثم خرجت فجأة "فكرة” الكونفدرالية كمخرج وحيد لاعتراف اسرائيل بالدولة الفلسطينية.
على مسافة واحدة يقف الاردن اليوم من انقرة وطهران، صحيح ان استدعاء السفير من طهران كان مفهوماً في سياق تطمين الجيران في الخليج، لكن الصحيح ايضاً ان "المخاوف” من الدور التركي ما تزال في دائرة المسكوت عنه، بما يعني ان "البوصلة” الاردنية حددت اتجاهاتها نحو "السعودية” والخليج بشكل عام، لكن مع "التحرر” نسبياً من بعض الاعباء التي تفرضها تحالفات السعودية وخياراتها المشروعة في حماية مصالحها.
للوهلة الاولى يبدو اننا خسرنا دولتين مهمتين في الاقليم (ايران وتركيا) كما يبدو ان ما حدث في سوريا افقدنا جزءاً من تحالفاتنا "التكتيكية” سواء مع النظام السوري او القوى المعارضة ( بقي الجيش الحر فقط)، ايضا لم نتمكن من "اختراق” الفسيفساء العراقية، ولم نجد الا باباً واحدا للتعامل مع ازمات جيراننا وهو "التحالف ضد الارهاب”.
نحن اذن داخل المربع السعودي، ونتفهم الدور الذي تقوم به المملكة السعودية لملء الفراغ وقيادة العالم العربي والاسلامي، وتربطنا بمصر والامارات العربية علاقات جيدة، لكن هل يكفي ذلك لكي نعرف اين نقف حقاً؟ وفيما اذا كانت الارض التي تقف عليها اقدامنا ثابتة وراسخة؟
يحتاج السؤال الى نقاش طويل، لكن استأذن في الاشارة الى مسألتين، الاولى هي اننا يجب ان نكون حاضرين على الطاولة لكي نضمن مصالحنا، والحضور يختلف عن الاستدعاء وفق الحاجة اوالطلب اذا لزم الامر، كما ان الحضور يستدعي انتزاع الدور والاعتراف به من قبل الاخرين، مثلما انه يحتاج الى اثبات القدرة على فرض الذات على الوقائع والاحداث والتغيير فيها او –اضعف الايمان- على استباق محاولات الضغط والعزل وسحب "المكاسب” والمصالح بقرارات وبدائل وخيارات مقنعة...
اما المسألة الثانية فهي ان معرفة ما نريده من الاخر، او ما نتوقعه منه سواء في اطار صراع الادوار والمكاسب، او التحالفات والتفاهمات على القواسم، يحتاج الى معرفة ما نريده لانفسنا، وما نفعله للتكيف مع محيطنا، واقصد هنا تحديداً "قوة” الدولة الاردنية، وحصانة المجتمع الاردني، وصورتنا العامة التي يجب ان تدفع الاخرين، او تغريهم، الى التعامل معنا بمنطق الاحترام..اذا استطعنا ان نتجاوز ازماتنا وان نعكس عافية بلدنا فان الطريق الى عقول الاخرين سيصبح سالكاً بسهولة، اما اذا "تجمدنا” عند الواقع البائس فان احدا لن يأخذنا على محمل الجد والاحترام، وفهمكم كفاية.