الحراك وتعديل الدستور

حين انجزت التعديلات الدستورية في تشرين أول 2011 عُدّ ذلك العمل انجازاً وطنياً، أخذ الكثير من الجهد، وتضمن رؤية وطنية وملكية للسباق مع الزمن وتحقيق فرصة جديدة للإصلاح، وتجاوز المطالب التي كان الشارع يدعو إليها بالعودة لدستور 1952 لا بل فتح ذلك الدستور والتعديل عليه لما فيه الأفضل.
اليوم يعود الجدل حول تعديلات دستورية اقرتها الحكومة، وارسلتها المجلس الأمة، للسير باقرارها او رفضها، فالمعركة هناك والجدل هناك والتصويت هناك، وهو ما يمنح مجلس النواب فرصة تعديل الصورة وتأكيد سلطة العقل، وعلى النواب اقناع الناس في حال اقرار التعديلات أو رفضها.
التعديلات التي انجزت عام 2011 جاءت بمجلس النواب السابع عشر، ولا يمكن قراءة المستقبل السياسي للأردن دون العودة للتعديلات الدستورية التاريخية التي ادخلت على الدستور الأردني في 1 تشرين اول 2011، فقد كانت أولتعديلات واسعة تجري على الدستور منذ العام 1984 ولاحقا على دستور 1952وهي الأولى أيضاً التي تتم في عهد الملك عبد الله الثاني. ولكن ما أن مرت سنوات قليلة حتى اكتشفنا أننا بحاجة لتعديلات جديدة.
إن اكتساب أي تعديلات صفة الشرعية ليس في مضمونها بل في أهميتهاالاستثنائية التي تعزز حصانة اركان الحكم وتعمق الديمقراطية، فليس من السهل ان نقترح ونعدل في الدستور الأردني الذي يوصف بأنه "دستور جامد” أي أنه يحتاج لموافقة ثلثي أعضاء مجلسي البرلمان، وليس الأغلبية المطلقة، وفقاً للمادة (126) التي تشترط موافقة الثلثين ثم مصادقة الملك، وذلك خلافاً للقوانين العادية التي يشترط الدستور لتعديلها أو اقرارها أو الغائها موافقة الأغلبية فقط 50% +1، فالتعديل أي تعديل يجب ان يكون محسوباً بدقة.
التعيلات المقترحة ايقضت الحراك في اكثر من منطقة، وظهرت اصوات معارضة لها، ومنها ما هومتخصص، وبخاصة في أمر تعيين اعضاء المحكمة الدستورية وقائد الدرك، وهي امور كانت تجري بدون التعديلات بموافقة الملك أصلاً، وما التعديلات الا اكساب للغطاء القانوني لها.
لكن لماذا حدث ذلك؟ لقد وصلت الكثير من الوقائع والخلافات بين الوزراء وقادة الاجهزة الأمنية التي يتبعون إليها في حالة وزارة الداخلية والامن العام والدرك، وبعض المؤسسات التي انشئت حديثا مثل المحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخابات، ظهر فيها الكثير من الأمور التي استلزمت حلها واعادة تشكيلها، وهو ما كان ليتم لولا تدخل الملك واعني هنا الهيئة المستقلة للانتخاب، ويبقى موضوع المحكمة كمؤسسة قضائية عليا بحاجة للتحصين لكن في جميع الاحوال فالتعيينات كانت تتم سابقا بموافقة الملك على التنسيبات المرفوعة إليه.
قد لا يكون هناك نقاش على ما تضيفه التعديلات من صلاحيلات للملك هي موجودة بالممارسة أصلاً، لكن الغضب أو الرفض للتعديلات انصب اكثر شيء على موضوع مزودج الجنسية وتوليه مناصب عامة، وهذا أمر مع الناس الحق فيه وكان مطلبا منجزاً من منجزات التجربة الاردنية في الربيع العربي، ويجب عدم العدول عنه كي لا تكون منجزاتنا السابقة مسجلة في قائمة الزمن الضائع.