عمر شاهين يكتب : هويتنا الوطنية محفوظة ونحن من نمزقها لأجل مصالح انتخابية وسياسية

 

 

أخبار البلد-  ثمة قاعدة حقيقة تقول أن علينا قبل الحديث عن الإصلاح السياسي والبحث عن ولاية مؤسسات الدولة ومحاربة الفساد، أن نتصالح مع بعضنا ونؤمن بوحدة الهوية الوطنية، التي بتنا نمزقها بالأوهام التي تنتشر مثل الكوليرا.

صرت بصراحة أشعر باشمئزاز، من هذا الحديث الذي يحاصرك ويواجهك في كل خطوة، وهناك من يقيم ويحكم ويصنف ويحشد موقفه، حسب شجرة العائلة مبتعدين عن حقيقية غراس  الوطن ومستقبله وهذا اكبر عوائق الإصلاح، ومانع الوقوف مع الأفضل على سحاب ما تهواه أنفسنا.

في الفترة الأخيرة ازداد الأمر تعقيدا، وكم أتضايق أننا نسير عكس الطريق، ونخالف تطور هذا العالم الذي يتسع ولم يعد يتفهم التعنصر وراء الهويات الفرعية ، صحيح أن الإنسان يرث نسبه وعليه أن يفتخر به، ولكن علم الأنساب لدى العرب كان لتعارف والمحبة والبحث عن الروابط، والافتخار بصفات الشخصيات البارزة والمبدعة، وليس لصناعة حلقات مفرغة.

كتاريخ لم يربطنا يوما كعرب شيك أو سلك ولا حتى نهر الأردن أو صحراء الجنوب وشرقيها ، كنا نحمل تاريخ طويل ومستقبل قادم، ووحدة اليوم وظروف الحياة ، أما اليوم فصرنا نغلق الأبواب والنوافذ ، ونضيق علاقاتنا الواسعة.ونبحث عن الفروقات .

شخصيا لن ولم أتأثر بهذا السجال، ولكن علينا جميعا أن ننتفض منه، ونغيره ، وننظر إلى وحدة وطن ، فالفساد الوطني هو أشد أنواع الفساد فتكا بالوطنية، وكم كان كلام الرسول  مذهلا عندما قال"  اتركوها فإنها نتنة" وقصد عصبية الجاهلية، ولن استعرض التجارب التاريخية والحاضرة بنتائج الفتنة التي ولدتها الطائفية الدينية والجغرافية ، فهذا واضح ومرئي .

صراع الهوية يبدأ واضحا ومنقسما في العادة إلى قسمين رئيسين، وسرعان ما نجد انه متفرع حتى يصل إلى مكانة الأنا ، في هذا، وإن كان العقل الغربي بحث عن تحرير الشخصية من الروابط الملزمة لسيرها، وحصرها في خدمة الوطن، وانتقال العمال من كسب الذات إلى التشارك المجتمعي، إلا أننا كعرب غللنا هذه الشخصية ، وقيدنها بروابط أصلا صارت ممزقة ولم تعد فعليا موجودة، ولن أقول أن هذه مستلزمات مرحلة ما بعد الحداثة التي فرضت البحث عن تكسب الشخصية وغمسها في المصلحة الشخصية بل في الاستغناء عن العلاقات، ونحن نبحث عن جذور وخنق للهوية الأردنية.

القضية لن تحل بقوننة قانون فك الارتباط، أو المقاعد حسب الكثافة السكانية، ولا توزيع وشكل حكومة برلمانية ، ولا في تخوفات الوطن البديل، أو التجنيس وغيره، الأمر فقط أن ننغمس في هوية واحد حاضرها الوطن ، وخدمته والوقوف مع المخلصين من أبناءه الذين يعود عملهم علينا كأفراد، حتى لو كان كلهم من قرية أو عائلة واحدة، فلم يعد المواطن يسعى للمباهاة في نخبه بقدر البحث عن حقوقه في الوطن وعدم العبث بها.

لا أريد أن يذكرني في كل موقف أني أخون هويتي ، فانا لم ابحث يوما عن من يعترف بتاريخي ولا وطنيتي ، ولا انتمائي لغربي النهر المحتل ولا بشرقيه الذي سقط به راسي وعشت به طفولتي، أنا عربي الانتماء ويكفيني هذا لتحديد هويتي والسير بها مع من أتكاتف معها، ولم اطلب يوما أن يرمي علي احدهم أغلال الهويات الفرعية .

اكتب هذا متجنبا نقاش الهوية بماضيها وحاضرها وصدقا ليس لي أي هدف سياسي بل من منطلق اجتماعي فقط، عندما أجد من يخرج علي فجأة ليذكرني أن علي فرضا أن أتكاتف مع فلان لأنه هكذا،" وأن ابتعد عن عزيز قريب ، لأنه يختلف معي في ولادة الجد، وينسى المذكر انه عندما ولد جدي كانت عجلون تتنفس من هواء بيسان ، وملكا تتشارك العصافير مع طبريا، ويسمع أهل السلط آذان نابلس ، ويقلق أهل عي وكثر ربا على صوت طفل يبكي في حلحول الخليل، هذه هويتي المفتوحة التي لم يفرقها نهر .

وان كانت الانتخابات وتسجيل المواقف مع الحكومة، في هذه الأيام تفرز هذه الفروق، وتتصاعد في الشارع عمن فقد حضور شخصيته، فوجد أن هناك نوع من التعنصر قد يعطيه بعض الحلقات أو التجمع، فاني أجد أن من يربطني بأي شخص هو حاضري وواقعي، وماذا يربطني به، من علاقات صنعتها تجارب الأيام، ومحبتنا للوطن .

عندما كان عمري تسع سنوات كسرت قدمي ،فتوجه أخي نادر  مسرعا إلى جارنا غالب هلسة أبو خلدون  وهو مسيحي من الكرك واحتضني مثل طفله في سياراته وحملني إلى مستشفى ابن سينا ونسي حتى أن يصطحب أمي او أبي، وأول دمعة سقطت على صرخاتي كانت من أم خلدون، ذلك الزمن الذي كان أخي نادر يشجع الفيصلي وأنا الرمثا وأخي محمد الوحدات ،و كان نادر يحب ميلاد عباسي بشغف شديد ، وأنا متعلق بالعقوري وفايز بديوي وابو ناصوح ومحمد شغف بالعموري.في زمن لم نكن نسمع وأولاد الحارة شيء اسمه أردنيون من شتى الأصول والمنابت بل أردني وكفى.

لا اعرف مع تطور الحضارة وكيف تجد أن كل الجنسيات في حساب الفيس بوك  ، ولو نظرت بتركيبة المجتمع لوجدت حقا نظرية إن لم أكن خالا لهم فانا عمه، وبصراحة لا أجد أن هوية ستفرقني يوما مع أبناء أختي وأصولهم لمدينة جرش ولا ابناء ابن خالتي من ام كركية ..

حسنا سأقول خاتما أن السياسية لدي لا تنبع من حسابات لها 40 عام ، ولا من تعيين مسؤولين، ولن يؤرقني سؤال الدولة أبوك مواليد أين، فما يجمعني تاريخ اصنعه انا وأيامي، لذا عندما أتضايق أو اشعر بألم أهاتف فورا عماد المومني واجد أن في يومي شيء ناقص ان لم احادثه، وما فعله لأجلي حتى لو كان معنويا لم يفكر به لي ابن عام أو عمة، بل هو من كان يسعى لإظهار عمر شاهين ، وكأني محمد أو ماهر أو مضر، لذا هذه المحددات التي أسير بها، وعندما استنفرت من أسبوع مع صديقي عقلة الزيود كان الأمر مصيريا بالنسبة لي لأني ما يربطني به ليس عمومة ولا مخول بل علاقة إنسانية تنتج خدمة للوطن، لذا كان أيضا أول من هاتفته اثناء طوشة صغيرة علاء ملكاوي ، وكان الأكثر حفرا في حزني وألمي موت صديقي العزيز جدا جدا عزت القسوس ولم أفكر باي فروقات عندما توجهت إلى بيته وحملت تابوته وجلست في الكنيسة، وبقيت حتى مع آخر حبات التراب التي سقطت على قبره  وذلك ليس لأنه مسيحي أو كركي بل لأنه شاركني بكل أفكاري.

هذا إجابة مختصرة لأصدقاء الذين حذروني أن أعض لحمي، ولا أتخلى مع من جمعتني به وطن ما بعد سايكس بيكو أو التفريقات والتاقلمات ، لدي وطن واسع انتمي له واقف معه، اسمه قلبي من يدخل به فقد تشارك مع بالتاريخ، واسعي جاهدا لمحاربة أسلاك سايكس بيكو وأصارع من اجل مواطنة صالحة محدداتها الإخلاص للوطن، وليس صناعة كوتات وتاقلمات فقد آن الأوان أن نبحث عن وطن وليس عن حلقات ضيقة.

Omar_shaheen78@yahoo.com