التحولات السياسية والأحزاب

الاحتجاجات السياسية في العالم العربي التي أطاحت بأنظمة وساهمت في تحولات سياسية مهمة بأنظمة أخرى، أبرزت الدور الهامشي للأحزاب السياسية العربية، مع بعض الاستثناءات البسيطة في عدد من الدول. إذ إن الأحزاب السياسية لم تكن في قيادة هذه الاحتجاجات، وأغلبها لم تستفد من نتائجها عبر صناديق الاقتراع.
الاستثناء هو حركة الإخوان المسلمين في عدد من الدول، وبخاصة في مصر وتونس، حيث اكتسحت الحركة صناديق الاقتراع في البلدين بعد الإطاحة مباشرة بنظامي الحكم هناك، كما تمكين الإخوان المسلمين وتقويتهم في دول عدة كالأردن. وبالطبع، لا يمكن اعتبار حركة الإخوان المسلمين حزباً سياسياً مثل بقية الأحزاب، وإنما من المفيد النظر إليها بوصفها حركة شمولية لديها مشروع لدولة مختلف عن الدولة التي أوصلتها قوانينها للسلطة، وعلى المستوى السياسي قد تكون آخر الحركات الشمولية على المستوى العالمي.
لقد أصبح معروفاً للجميع ما حلّ بالإخوان المسلمين في مصر. ولا يجوز استبعاد الدور الذي لعبته القوى المتناقضة معها بالإطاحة بها؛ سواء أكانت من أجهزة الدولة أم من القوى السياسية المعارضة لها. لكن الأهم من ذلك، أنه لم تحدث حتى الآن مراجعة ذاتية لما قامت به هذه الحركات أو لم تقم به لتصويب مسارها وعودتها للحياة السياسية بالأطر السياسية الوطنية. وكذلك لم تفلح كثيراً في استيعاب مضامين ومعاني الانتفاضات العربية التي مثلت طموح الشعوب العربية نحو الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
بعض الحركات، كالنهضة في تونس، استطاعت أن تتكيف مع الأوضاع الجديدة، وقبلت المشاركة في السياق الديمقراطي الذي كان الأهم فيه الدستور الجامع، والعملية السياسية نفسها، وليس النتائج التي ترتبت عليها.
وهذه المراجعات كانت مطلوبة ومتوقعة من حركة إخوان الأردن التاريخية، وبخاصة في ضوء نهاية التجربة الإخوانية في مصر وتونس. والمراجعات المطلوبة التي بدأ بالمناداة بها أعضاء من داخل الجماعة وقوبلت بالرفض والعدائية، كان لا بد لها من أن تأخذ الأمور التالية بالاعتبار:
1. تصويب الوضع القانوني للجماعة تماشياً مع قانوني الأحزاب والجمعيات الخيرية. إذ إنه لم يعد من الممكن الإبقاء على وضع الجماعة بتداخل أهدافها ومؤسساتها، وهي الوحيدة التي تتمتع بهذه الامتيازات دون غيرها من الحركات أو الجماعات.
2. التحّول إلى جماعة وطنية تحتكم للدستور، وتعمل في ظله وتحافظ عليه، وعدم الإصرار على خصوصية الجماعة والقول إنها أكبر من قانون الأحزاب أو الجمعيات أو كليهما.
3. تحقيقاً للعدالة مع الأحزاب الأخرى، كان لا بد من الفصل بين الجانب السياسي والدعوي والخيري، لأنه يسمح للحركة باستخدام جانب لخدمة الجوانب الأخرى، وهذا ليس مقبولاً في أعتى الديمقراطيات في العالم.
4. فك الارتباط التنظيمي والسياسي مع أي أطراف أو حركات خارجية، سواء كانت عالمية أم قطرية لأن ذلك أيضاً غير مقبول في أي دولة وطنية ديمقراطية.
لقد كفل الدستور لأعضاء الحركة حقهم في الممارسة السياسية والدعوية والخيرية، ولكن تحت مظلة القوانين الناظمة لهذه العمليات، وهذا لا خلاف عليه ولا جدل فيه. ولكن الحركة لم تقرأ التطورات السياسية الوطنية والداخلية، ولم تعتقد بأنها أثّرت على علاقتها بالمجتمع والدولة. ومن ثم انتظرت حتى أخذت الأمور مجراها، سواء أكان بالتطورات التي حصلت داخل الجماعة أم في علاقتها بالدولة والمجتمع. لقد كان التصويب الداخلي ممكناً من الناحية النظرية، لكنه لم يحدث بالواقع. والتطورات السياسية على أرض الواقع لا تكون دائماً رحيمة، والتاريخ شاهد على العديد من التطورات المشابهة في أماكن أخرى.