الوضع القانوني لجزيرتي تيران وصنافير

وقعت السعودية ومصر عدداً من الاتفاقات ومذكرات التفاهم في مجالات اقتصادية وحيوية متنوعة خلال الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لمصر في الفترة من 29/5/1437هـ الموافق 7 نيسان (أبريل) 2016 إلى 4 رجب 1437هـ الموافق 11 أبريل 2016. وكان من بين هذه الاتفاقات اتفاق تحديد الحدود البحرية بين الدولتين، إذ وقعه عن الجانب السعودي ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، ووقعه عن الجانب المصري رئيس مجلس الوزراء المهندس شريف إسماعيل. وبموجب هذا الاتفاق أعادت مصر إلى السعودية جزيرتي صنافير وتيران الواقعتين بالقرب من مدخل خليج العقبة. وعقب ذلك اثارت بعض وسائل الاعلام خصوصاً تلك التي تعبر عن الكارهين للوفاق الاستراتيجي السعودي - المصري، لغطاً حول هذا الموضوع، مدعية ان الجزيرتين مصريتان وان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي فرط فيهما. وعلى رغم أن عدداً من المؤرخين والخبراء القانونيين والعسكريين اوضحوا بجلاء اسانيد ملكية السعودية لهاتين الجزيرتين واسباب وضعهما تحت السيطرة المصرية ردحاً من الزمن، إلا أن اللغط ما زال مستمراً على نحو يدل على رغبة محمومة لدى هؤلاء الكارهين في اثارة الفتنة وتهييج الرأي العام المصري لإفساد العلاقات السعودية - المصرية التي وصفها السفير السعودي لدى القاهرة احمد قطان بأنها وصلت إلى مرحلة (التحالف). وستبقى هذه العلاقات قوية وراسخة بإذن الله حتى لو كره الحاقدون. واحاول في هذه المقالة أن اوضح بعض الحقائق حول هذا الموضوع من واقع مؤلفات بعض كبار فقهاء القانون الدولي العام في مصر الذين يعتبرون في الواقع اساتذة ورواد الفقه العربي في مجال القانون الدولي ولهم سمعة دولية ممتازة ومكانة رفيعة في الاوساط القانونية الدولية.

 

 

وهاكم بعض الحقائق:

 

 

اولاً: استاذنا الدكتور حامد سلطان، يرحمه الله، الذي كان استاذ ورئيس قسم القانون الدولي العام في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، والذي تشرفت بان كنت أحد طلابه إبان دراستي في تلك الكلية العريقة، عالج في الصفحة 595 وما بعدها من كتابه القيم «القانون الدولي العام وقت السلم» الطبعة الخامسة كانون الثاني (يناير) 1972 قضية خليج العقبة، وانقل هنا ما قاله بشأن ملكية جزيرتي صنافير وتيران:

 

 

«ويوجد عند كتفي الخليج، عند مدخله جنوباً، أرخبيل صغير يشتمل على عدد من الجزر الصخرية الصغيرة يبلغ حوالى 30 جزيرة كانت تابعة كلها للمملكة العربية السعودية، وأكبر هذه الجزر جزيرتا تيران وصنافر، وهما اللتان تتحكمان في مداخل خليج العقبة...). ثم بعد أن شرح الوضع التاريخي والقانوني لخليج العقبة وكيف ان اسرائيل احتلت قرية أم الرشراش المجاورة لمدينة العقبة بعد ابرام اتفاق الهدنة بين مصر واسرائيل في 24 شباط (فبراير) 1949، ثم تطرق إلى اثر هذا الاحتلال لدى السلطات المصرية فقال: «ولقد كان لاحتلال أم الرشراش التي صارت تعرف الآن بميناء ايلات الاسرائيلي، أثر بالغ لدى السلطات المصرية. فقد اتفقت هذه السلطات مع سلطات المملكة العربية السعودية على أن تقوم القوات المصرية باحتلال جزيرتي تيران وصنافر، وهما الجزيرتان اللتان تتحكمان في مداخل خليج العقبة، وعلى إثر هذا الاحتلال أقامت السلطات العسكرية المصرية في رأس نصراني مدافع شاطئية تسيطر تماماً على الملاحة في مضيق الانتربرايس، وبعد أن تم ذلك رأت وزارة الخارجية المصرية أن تبعث بمفكرة إلى الحكومة البريطانية - بوصفها الدولة التي تمون قواتها في الأردن عن طريق ميناء العقبة - تعلهما بأنه بالنظر للمحاولات التي ظهرت من جانب السلطات الإسرائيلية بالنسبة لجزيرتي تيران وصنافر بالبحر الأحمر بمدخل خليج العقبة، أمرت الحكومة المصرية، وذلك بالاتفاق التام مع حكومة المملكة العربية السعودية باحتلال الجزيرتين احتلالاً فعلياً. وهذا الاحتلال الآن أمر واقع»، وقد تضمنت هذه المذكرة المرسلة بتاريخ 28 من فبراير سنة 1950 الفقرة الآتية: «ولما كان هذا الاحتلال لم توح به فكرة إعاقة المرور البري على أي وجه في المجال البحري الذي بين الجزيرتين المذكورتين وشاطئ سيناء المصري، فمن المسلم به أن هذا الممر، وهو الوحيد الممكن سلوكه عملياً، سيبقى حراً كما كان بالماضي، وذلك وفقاً للعرف الدولي ومبادئ القانوني الدولي المقررة.

 

 

وقد رأت الحكومة المصرية أن تبلغ السفارة الأميركية بالقاهرة مفكرة مماثلة. وتم ذلك في 30 يناير سنة 1950».

 

 

ثانياً: الدكتور محمد طلعت الغنيمي، يرحمه الله، الذي كان استاذ ورئيس القانون الدولي العام بكلية الحقوق بجامعة الاسكندرية، والذي تشرفت بمزاملته في وزارة البترول والثروة المعدنية السعودية، إذ عمل لديها ردحاً من الزمن خبيراً قانونياً، عالج في الصفحة 1058 وما بعدها من كتابه القيم «الأحكام العامة في قانون الأمم» قضية خليج العقبة وقال بشأن ملكية جزيرتي صنافير وتيران ما يأتي:

 

 

«تطل على خليج العقبة ثلاث دول عربية هي الجمهورية العربية المتحدة والأردن والمملكة العربية السعودية، كما تطل عليه اسرائيل. ويبلغ اتساع الخليج عند مدخله – ما بين نيق ورأس فرتك - خمسة أميال وثلاثة أرباع الميل وتقع على المدخل جزيرتان هما تيران وصنافير، وهما جزيرتان سعوديتان ويبلغ طول الخليج من جنوبه إلى شماله 96 ميلاً ولا يتجاوز اقصى اتساع له 16 ميلاً ونصف الميل. أما مضيق تيران فاتساعه ثلاثة اميال يشقه طريقان صالحان للملاحة هما ممرا انتربريز وجرافتون، واتساع الممر الأول 1300 ياردة واتساع الممر الثاني 950 ياردة».

 

 

ثم يضيف الدكتور الغنيمي قائلاً:

 

 

«احتلت مصر في نهاية 1949 وبموافقة المملكة العربية السعودية جزيرتي تيران وصنافير. وفي 28 يناير 1950 أخطرت الحكومة المصرية السفير الاميركي بانها لا تنوي أن تتدخل في الملاحة السلمية وأن هذا الممر سيظل حراً كما كان في الماضي طبقاً لما جرى عليه العمل الدولي وما تقضي به قواعد القانون الدولي المعترف بها. ولكن حال الحرب بين مصر واسرائيل دعت مصر إلى غلق خليج العقبة في وجه اسرائيل». ثم يعقب الدكتور الغنيمي قائلاً «اتفقت السلطات المصرية والسعودية اثر احتلال اسرائيل لأم الرشراش على ان تقوم القوات المصرية باحتلال الجزيرتين اللتين تتحكمان في مدخل الخليج – جزيرتي تيران وصنافير – لكي ترد على اسرائيل كيدها بمنعها من الاستفادة من هذا الميناء كإجراء من اجراءات الدفاع الشرعي المتفقة واحكام القانون...».

 

 

ومما سبق يتضح أن فقيهين من اكبر فقهاء القانون الدولي في مصر والعالم العربي يقران بملكية السعودية لجزيرتي تيران وصنافير.

 

 

ثالثاً: نضيف إلى ما سبق حقيقة اخرى انه بعد العدوان الثلاثي عام 1956 واحتلال اسرائيل لسيناء والجزيرتين فان المندوب السعودي لدى هيئة الأمم المتحدة أعلن عام 1957 تمسك المملكة العربية السعودية بملكية هاتين الجزيرتين، وكان ذلك في المذكرة المرسلة إلى سكرتير العام للأمم المتحدة في 12 ابريل 1957 ومذكرة اخرى مرسلة في 17 ابريل 1957 ولم تعترض مصر على التصريح السعودي «المرجع كتاب مضيق تيران في ضوء احكام القانون الدولي ومبادئ معاهدة السلام للدكتور عمرو عبدالفتاح خليل، طبعة 1980م، الهيئة المصرية العامة للكتاب صفحة 85». بل يقول الدكتور عمرو عبدالفتاح خليل في الصفحة 86 من كتابه المذكور ما يأتي: «ان المضيق – يقصد مضيق تيران – يكون حدوداً بين مصر والسعودية، اذ إن جزيرة تيران جزيرة سعودية وبناء على قاعدة الخط المنتصف، وهي الغالبة في العمل والتي أقر بها اتفاق جنيف سنة 1958 فان السعودية ومصر تقتسمان مياه المضيق تطبيقاً لهذه القاعدة».

 

 

رابعاً: حقيقة اخرى تجدر الاشارة إليها وهي ان الملك فهد بن عبدالعزيز طلب عودة تيران وصنافير إلى السيادة السعودية وصرح «انه يعتبر الحكومة المصرية والرئيس حسني مبارك مسؤولين مباشرة عن اعادة هاتين الجزيرتين إلى الوطن الأم». «المرجع كتاب مشكلات الملاحة البحرية في المضايق العربية للدكتور عبدالمنعم محمد داود، الناشر منشأة المعارف بالاسكندرية صفحة 148».

 

 

خامساً: أكد الكاتب الصحافي الراحل محمد حسنين هيكل حقيقة ملكية السعودية للجزيرتين في الصفحة 91 من كتابه «سنوات الغليان»، إذ قال ما يأتي:

 

 

«إن جزر صنافير وتيران التي كانت مصر تمارس منها سلطة التعرض للملاحة الاسرائيلية في الخليج هي جزر سعودية وجرى وضعها تحت تصرف مصر بترتيب خاص بين القاهرة والرياض».

 

 

سادساً: كشفت وزارة الخارجية المصرية المراسلات التي دارت بين الأمير سعود الفيصل - يرحمه الله – وزير الخارجية السعودي السابق والدكتور عصمت عبدالمجيد - يرحمه الله - وزير الخارجية المصري الاسبق عامي 1988 و1990إذ تضمنت رغبة السعودية في عودة الجزيرتين إليها بعد انتهاء اسباب اعارتها لمصر، وان مصر لم تعترض على ذلك، وانما طلبت تأجيل الطلب إلى وقت أكثر ملاءمة بعد انتهاء الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي المصرية بموجب معاهدة السلام التي ابرمتها مصر واسرائيل عام 1979.

 

 

تبقى كلمة أخيرة أن اتفاق تحديد الحدود بين الدولتين كان امراً ضرورياً لتحديد الاقليم البحري لكلتا الدولتين وتنظيم عمليات التنقيب واستغلال الثروات الطبيعية الكائنة، سواء في المناطق البحرية لكل منهما أم الكائنة في المناطق البحرية المشتركة بينهما، كما أن هذا الاتفاق مهد السبيل للاتفاق الذي اعلنه الملك سلمان بشأن انشاء جسر بري يربط بين الدولتين، وهو المشروع الذي ستترتب على انجازه منافع شتى عظيمة للدولتين والشعبين الشقيقين، بل ولحركة التجارة العربية والدولية.