في شكل التعديلات الدستورية ومضمونها

ربما كانت الخلافات التي ثارت حول تعيين دفعة من الموظفين الجدد في مجلس النواب تبين أنهم من أبناء وأقارب النواب تمثل دافعاً أساسياً للتسريع في عملية اجراء تعديلات دستورية من شأنها أن تؤسس لفصل السلطات من خلال تقييد قدرة رئيس الحكومة على الاجتهاد في أسماء بعض شاغلي الوظائف العليا والمؤثرة في الدولة، وهو ما يدفعهم للوقوع في نظرية «صاحب الفضل» بينما المطلوب في الأردن تأسيس صورة «صاحب الولاية»، وعملياً لا يمكن الحديث حول رغبة ملكية في الحصول على صلاحيات أوسع، فالنظام السياسي في الأردن يعطي الملك القدرة على التعاطي مع مسألة التعيينات ذات الطبيعة الخاصة بصورة لا تتطلب إجراء هذه التعديلات، فالمستهدف عملياً يبقى «شكل النظام السياسي» دون وجود تغيير جذري في «جوهره».

ربما يناقش البعض فكرة التغيير الشكلي في أساسها، مع اصرارهم على وجود تغييرات جذرية وحاسمة، ولكن هذه الفئة من المتابعين تغفل أن التغيير الواسع والمتزامن عادة ما يذهب بـ«المجتمع السياسي» إلى الدخول في «نشوة الديمقراطية» والتي تبدو تكلفتها أخطر كثيراً من «نشوة البحر» التي تدفع البعض للغرق لا إرادياً، فالنشوة الديمقراطية التي حدثت في مصر مثلاً ذهبت بالمجتمع إلى انتاج نسخة مشوهة من الديمقراطية حيث جعلتها في حد ذاتها غاية، دون أن تدرك أن الديمقراطية هي أحد الأدوات الضرورية لإدارة المجتمع والدولة، وأن للديمقراطية عيوباً بجانب ميزاتها الكثيرة، ولكن تفشي العيوب يمضي بوتيرة أسرع من وتيرة الاستفادة من الإيجابيات.
على الرغم مما سبق، فإن التعديلات الدستورية الأخيرة أخذت صورة تصحيح المسار لمعالجة الاختلال، والمطلوب في المقابل أن تترافق بمرحلة من التعزيز للحكومة والبرلمان على السواء، وذلك ضمن الحدود الجديدة التي ستجعل من المتعذر على الطرفين التحالف أو التنازع إلا ضمن حدود الأصول القائمة والمستندة إلى مرجعية الملك، وهذه المرحلة ربما تمتد سنوات ستشتمل على تجربة أنماط جديدة لعلاقة الحكومة بالبرلمان ربما ستكون، أو لن تكون، من ضمنها الحكومة البرلمانية.
رئيس الوزراء كان يلقي حجراً في المياه الساكنة لكواليس العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولكن الحجر لم ينتج فقط حلقات متتابعة على وجه الماء، ولكنه تطور متفاعلاً ليتحول إلى اعصار يضرب جذور المعادلة السياسية القائمة، ولكن يتوجب الحذر بشدة من التعامل مع مخرجات الأسبوعين الأخيرين، ويتوجب أن يترجم الفعل «الدستوري» إلى مفاهيم اجتماعية من خلال توضيحه ووضعه في أطره الصحيحة وإغلاق باب التأويلات التي ستكون متاحة للجميع.
أسس الملك في العامين الأخيرين لرؤية جديدة في التعامل مع مستقبل الإصلاح السياسي من خلال أوراقه النقاشية، ولكن لم تكن الأجواء مؤهلة لاستيعاب هذه الأوراق النقاشية، فالملك طرحها ليجعل أفكاره موضوعاً للجدل المجتمعي ولو أرادها خطاباً ملكياً سامياً لتخير أدوات أخرى وعناوين مختلفة، والمشكلة أن البيئة السياسية والإعلامية في الأردن غير «مدربة» على التعامل مع فكرة منفتحة يطرحها الملك ويطلب أن تكون محلاً للنقاش وربما «النقد» واستكهان أصول النقد مع الخطاب الملكي مسألة تحتاج إلى وقت وتدابير مختلفة غير التي أسستها تقاليد طويلة كانت تستدعيها مرحلة مضت بكل ما لها وما عليها.
الملك يفتح الطريق ويسد الذرائع على السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولكن يبقى الاهتمام ضرورياً وملحاً بتكوينات الحياة الحزبية لأنها وحدها، ومهما كانت عيوبها ونقائصها الراهنة، تستطيع أن تستوعب الإصلاح السياسي في محيطه المجتمعي.