اليمن: هل «أُغْلِقَ» المسار التفاوضي؟

وصلت مساعي عقد جلسة التفاوض اليمني ــ اليمني في محطته الكويتية, الى طريق مسدود, في ما يبدو, بعد أن اعلن المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ أحمد عن تأجيلها الى اجل غير مسمى, رغم انه كان قال قبل ذلك وفي ما يُشبه تمسكه ببعض الامل: ان الساعات القليلة المقبلة, ستكون حاسمة وعلى الاطراف تحمل مسؤولياتهم الوطنية.

ملابسات ووقائع ما جرى يوم اول من امس الاثنين (موعد بدء جلسات التفاوض) كشفت, ضمن أمور اخرى, عن هشاشة التحضيرات وعدم أخذها بجدية من قبل الاطراف ذات الصلة, سواء تلك التي سارعت للذهاب الى الكويت وهي هنا حكومة عبدربه منصور هادي ومن يدعمها في الاقليم, أم في الطرف الذي يُوصَف في اعلام بعض الدول العربية بـِ»الانقلابيين» وهم جماعة انصار الله (الحوثيون) واتباع الرئيس السابق علي عبدالله صالح, دون إهمال «الارتباك والتردد» الذي بدأ يَسِمُ تحركات المبعوث الدولي ولد الشيخ, وإن كان في وضع لا يُحسد عليه, نظراً للضغوط «الهائلة» التي يتعرض لها, من قِبل عواصم اقليمية مؤثِرة تريد جذبه الى جانب رؤيتها للازمة اليمنية, رغم أنه لم يقع حتى اللحظة في سقطة كهذه, ستُطيح دوره و سمعته أو تُخرِجه من دائرة التأثير, الى ان تنتهي الحال به كما انتهت مع سلفه جمال بن عمر, الذي تعرض هو الاخر الى حملة تشويه واتهامات بالانحياز (للحوثيين وصالح) ما ادى الى عزله أو سحبه أو سقوط شبكة الحماية «الدولية» عنه.
ما علينا..
ليس في كل ما تورده وسائل الاعلام من تصريحات وردود افعال حول عدم حضور وفد صنعاء (انصار الله وصالح) ما يمكن البناء عليه سياسياً, بل هي مجرد اتهامات لهم بالمراوغة وعدم الالتزام بتعهداتهم ومواصلتهم خرق وقف اطلاق النار وبخاصة في مأرب وجبل نهم, ما يعني ان ليس لدى الطرف الاخر ما يدعم روايته وإن كان الحديث «المُكرّر» يدور حول تطبيق القرار 2216 والمبادرة الخليجية وآليات تنفيذها ومخرجات الحوار الوطني الشامل, وهي «اسطوانة» سمعها وتابعها كل من رافق ماراثون الحرب اليمنية والازمات التي انبثقت عنها, دون أن يرى المراقب على الارض أي تطبيق فعلي وجاد لنيات مُعلنة كهذه, بل كان استمرار الحرب وتواصل قصف طائرات التحالف في الوقت الذي ذهب فيه المفاوضون الى (جنيف1) و(جنيف2) ما اوصل الامور – حتى قبل ان تبدأ – الى طريق مسدود, لأن الاساس في أي تفاوض بين اطراف متحاربة هو وقف اطلاق نار شامل أو جزئي, دون الحاجة الى استحضار النموذج الفيتنامي الشهير, حيث كان يتفاوض هنري كيسينجر مع لي دوك تو الفيتنامي (الشمالي وقتذاك) في باريس, فيما الطائرات الحربية الاميركية تعيث خراباً ودماراً وفتكاً بفيتنام وغاباتها وانهارها التي تعرضت لسموم كيماوية, لكن ذلك كان في زمن سابق غير زماننا, وفي ظروف دولية ليست كتلك التي نعيشها الان.
واذا كان «الحضور» سيكون لمجرد الحضور والتقاط الصور التذكارية, دون أن تُسفر جولة الكويت عن أن نتيجة تذكر, فإن من السابق لاوانه توقع ان تكون هناك جولة اخرى, قريباً او في المدى المتوسط, اذا لم يوضع جدول اعمال محدد وعملي ومقبول على الاطراف كافة, لمفاوضات طالما وُصِفت بأنها الفرصة الاخيرة التي يجب على الجميع اهتبالها, قبل ان تضيع أو تتبدد, دون أن يكون لمثل هذه التحذيرات اي اهمية او تأثير في وقائع الميادين ويومياتها أو في إنضاج ظروف سياسية اكثر جدية وصدقية مما كانت عليه حتى الان.
وجهتا نظر وفد صنعاء ووفد هادي, يصعب الجمع بينهما, لأنهما لا تغادران المربع الاول ذاته الذي استقرتا فيه منذ بدء عاصفة الحزم, حيث يقول محمد صالح ناشر, عضو الهيئة الاستشارية الوطنية اليمنية لمؤتمر الرياض: أن هناك فرصة تاريخية أمام «الانقلابيين».. لن تتكرر, فيما يعلن الناطق باسم جماعة انصار الله محمد عبد السلام: ان المطلوب هو ارساء مسار سياسي, يعتمد الشراكة والتوافق, وفقاً للقرارات الدولية والمرجعيات المعروفة وليس لاستمرار العدوان وانتهاج سياسة الاقصاء. واذا ما اخذنا في الاعتبار أن السبب الرئيس لعدم ذهاب وفد صنعاء الى الكويت, يكمن في اشتراطهم الوقف الكامل لـِ»لعدوان» وعدم القبول بأي شروط ومطالب, قبل الوصول الى حل سياسي يتبعه تفاهم وحوار على التفاصيل, فإننا نكون أمام, ازمة عميقة وجوهرية وليس مجرد حضور وفد او امتناعه عن الذهاب, ما يعني أن الازمة اليمنية ستتواصل دموية وربما تزداد تدهوراً, اذا لم يتم وضع الاسس الحقيقية لاسبابها, على طاولة المفاوضات, قبل الشروع في بحث اي خطط اخرى ثبت انها ليست سوى تقطيع للوقت وشراء له, والاّ كيف يمكن لأحد ــ في الجانبين ــ ان يفسر لليمنيين خروج مظاهرات في عدن (عاصمة حكومة هادي المؤقتة) نظّمتها قوى الحراك الجنوبي,تطالب بانفصال الجنوب وترفع شعارات تقول «لا»...للوحدة, في اليوم الذي كان مقرراً لبدء مفاوضات الكويت؟