ماذا عن التعيينات المخالفة في الوزارات؟!

أشبعنا النواب نقدا. تحدثنا عن العدالة وضرورة تطبيقها على الجميع، وهذا الغضب الذي ظهر أمر إيجابي، يدلل على إيماننا (إن كان غضبنا واقعيا وحقيقيا وليس فشة غل) بالنزاهة والشفافية والعدالة، وحرصا منا على أن يكون ديوان الخدمة المدنية الملاذ لأي محزون في التعيين.
وقبل التوسع في الكلام حول ذلك الموضوع وقياسه بتعيينات أخرى حصلت، لا شك أن لا عدالة في أن يذهب نواب لتعيين أبناء لهم خارج إطار ديوان الخدمة، ولا شك أن التأسيس لمثل ذاك لا يعزز فكرة الدولة الديمقراطية المدنية التي نريد، والتي تقوم على احترام القانون والنظام وتطبيقهما على الجميع، ابن النائب وابن الوزير، وكذلك ابن الغفير والفقير.
وبالقدر الذي أسعدني حجم النقد للخطوة النيابية غير الموفقة، فقد أغضبني بالقدر نفسه "التطنيش" الذي لمسته من ذهاب كل النقد لخطوة النواب وعدم تناول تعيينات أخرى تمت خارج ديوان الخدمة، وتم كشفها من خلال رسائل العتب بين رأسي السلطتين التشريعية (مجلس النواب) والتنفيذية (الحكومة).
فبأي حق يتم تعيين موظفين في وزارات العمل والداخلية والخارجية وغيرها، وكذلك في منطقة العقبة الخاصة وغيرها من الدوائر الأخرى وفق ما جاء في كتاب رئيس مجلس النواب لرئيس الوزراء في كتاب الرد على كتاب الأخير، خارج ديوان الخدمة؟ ولماذا يتعين على طالب الوظيفة الانتظار سنين وسنين، من ثم يظفر بالوظيفة خارج الدور وخارج مخزون الديوان أبناء متنفذين ووزراء ومسؤولين سابقين ومدعومين من هذا أو ذاك؟
كل ما جرى مخالف لفكرة الدولة، ويخالف مفهوم الشفافية والنزاهة، ويعزز الواسطة والمحسوبية، لا بل يدعم وجودهما باعتبارهما السبيل الوحيد للحصول على حق آخرين.
فبالقدر الذي أدنا فيه تعيين نواب لـ109 موظفين خارج مخزون ديوان الخدمة، فإنه من الواجب علينا أن نذهب لإدانة التعيينات التي تمت في وزارات ومؤسسات أخرى وبالطريقة ذاتها، وبالشكل ذاته من دون الرجوع لديوان الخدمة والاستفادة من مخزونه.
بأي حق نبقي طالب وظيفة عبر ديوان الخدمة بانتظار دوره في التعيين ربما لعشر سنوات أو أقل أو أكثر، ومن ثم يأتي من ينقضّ على حقه، وربما يكون من اقتنص ذاك الحق كان في الحضانة أو في المدارس الابتدائية عندما قدم بعض المنتظرين لدورهم طلب التوظيف؟
من الجيد أن نعزز لغة المساءلة والمحاسبة والنقد، ولكن يتوجب ونحن نذهب بهذا الاتجاه أن تكون لغة المحاسبة والنقد موجهة في كل الاتجاهات، وليس في اتجاه واحد فقط، أو نحو عنوان وحيد، وهو مجلس النواب فقط، وترك المساءلة والنقد لما يجري في مطارح أخرى، فهذه لهجة لا تستقيم وتبعدنا عن الحياد والموضوعية، فالنواب مدانون، وكذلك الحكومة التي وافقت على التعيين في مطارح أخرى خارج مخزون ديوان الخدمة.
لا يجوز تحت أي ظرف أن نبرر التعيين في أي مكان بعيدا عن أسس العدالة والشفافية وتكافؤ الفرص، ولا يجوز أن نجلد النواب إعلاميا وعبر مواقع التواصل الاجتماعي و"اليوتيوب"، ونترك الحكومة تفوز بالإبل، من دون أن نتعرض لها وننقدها على ما قامت به من تعيينات في وزارات بصورة مخالفة.
علينا أن لا نعزز ونؤطر لفكرة أن "حيط النواب واطي"، وأنه من السهل نقد مؤسسة التشريع والرقابة من دون أن نتعرض للسلطة التنفيذية بذات النقد، فالعدالة تقتضي أن نقف ذات الوقفة أمام تعيينات الحكومة التي جرت، وأن نستل سيف النقد لها من دون تردد أو مهادنة، وإلا فإننا سنكون قد ساهمنا وعززنا من فكرة تغول سلطة على أخرى.