لا تغييرات وشيكة.. التعايش مرحليا

ثمة إدراك عميق بأن مماحكات السلطتين التشريعية والتنفيذية؛ النواب والحكومة، والتسريبات المتبادلة في قضية "التعيينات"، قد استنزفت ما تبقى لهاتين المؤسستين من رصيد. لكن ذلك، على ما يبدو، لن يدفع باتجاه اتخاذ قرارات وشيكة تخص المؤسستين.
سيناريو حل مجلس النواب قبل انتهاء دورته الحالية ليس واردا حسب اعتقاد الكثيرين، وخيار الدورة الاستثنائية في الصيف المقبل لم يحسم بعد. هناك حاجة، أولا، لمراجعة أجندة التشريعات الملحة، والتأكد من أن مجلس الأمة قد أنجز ما هو مطلوب من حزمة القوانين، وما ينبغي إنجازه خدمة لمصلحة الاقتصاد الوطني.
ليس مرجحا على الإطلاق أن تخضع القرارات الكبرى لأمزجة السياسيين، أو لاعتبارات الشعبوية. ومع نهاية الدورة الحالية لمجلس الأمة، ستخضع الخيارات كافة للبحث والتقييم. ولن يمر وقت طويل قبل أن تتضح معالم خريطة الطريق للمرحلة الانتقالية؛ حل المجلس، وموعد الانتخابات النيابية، وهوية الحكومة الجديدة. وهي كلها صلاحيات حصرية لجلالة الملك.
بمعنى آخر؛ المصالح العليا للبلد ستعلو على الحسابات الصغيرة والمناكفات السياسية. لقد ألزم الدستور الأردني صاحب القرار بإجراء الانتخابات النيابية بعد حل المجلس القائم بأربعة أشهر، وإلا يعود المجلس المنحل. ولذلك، يتعين حساب المواعيد بدقة، والتأكد من أن الهيئة المستقلة للانتخاب التي تشكلت للتو، حاضرة من الناحية اللوجستية لإجراء الانتخابات في الموعد المفترض.
والاعتبارات الوطنية لا تتوقف عند هذا الحد؛ فهناك أيضا ملفات مهمة يجري العمل على إنجازها لتمكين المملكة اقتصاديا وتنمويا، ناهيك عن التطورات الإقليمية المفتوحة على احتمالات شتى.
إزاء ذلك كله، ينبغي على أصحاب القول في الحكومة والنواب أن يفكروا مليا قبل الإقدام على خطوات تصعيدية جديدة، والكف عن شحن الشارع المحبط والساخط على الساسة في السلطتين. وعدم إحراج صاحب القرار، ووضعه تحت ضغوط إضافية بدلا من إسناده ودعمه لمواجهة التحديات والمخاطر التي يمر فيها الأردن، بسبب الأوضاع المتدهور من حولنا.
الأفكار المدبرة لتهريب نصاب جلسات النواب تبدو سلوكا غير بناء، ويلقى امتعاضا على كل المستويات. وكذلك تحويل الجلسات إلى مهرجانات تقريع وتجريح، سيضر بسمعة السلطتين. الحكومة من جانبها مطالبة باحترام هيبة المؤسسة البرلمانية ومكانة رئاستها، ومد جسور التعاون معها لإنجاز ما تبقى من مهمات.
ويتعين على كل الأطراف إدراك أن التغيير تحت الضغط ليس واردا في الحساب. أما الانهماك في لعبة الترشيحات للمناصب، فهو مضيعة للوقت حاليا.
ليس من خيار أمام السلطتين حاليا سوى التعايش، وتسكين الخلافات الصغيرة، وانهماك النواب في العمل على ما بين أيديهم من تشريعات جديدة وقوانين معدلة، مع الاحتفاظ بحقهم الكامل في مراقبة أداء الحكومة. والأخيرة في غنى عن إضاعة الوقت؛ فمن حولها أكوام من التحديات والمشاكل التي تتطلب عملا مضنيا لتحقيق ولو فارق بسيط يعين الأردنيين على تحمل ظروف المرحلة الصعبة.
قبل الإقدام على التغييرات، نحتاج لوقفة تفكير عميقة؛ فالدول لا تعمل تحت طلب السياسيين الطامحين والناقمين على بعضهم البعض.