ماذا وراء «أكمة» الحكومة؟

ما يزال الغموض يكتنف قرار الحكومة، المفاجئ وغير المسبوق، القاضي بتحويل مديرية المساهمات الحكومية في وزارة المالية، إلى شركة جديدة ذات صفة اعتبارية مستقلة، ويثير المزيد من التساؤلات والتخوفات حول الأهداف الحقيقية لقرار كهذا، يبدو للوهلة الأولى وكأنه ـ بل هو كذلك ـ تراجعا والتفافا على قرارات الخصخصة التي أتخذتها الحكومات المتعاقبة على تعهدات وخطابات تقول: أن الحكومة ستترك للقطاع الخاص والشركاء الاستراتيجيين ـ من الداخل والخارج ـ فرصة إدارة هذه الشركات الحكومية التي تعاني من البيروقراطية والإهمال واللامبالاة وانعدام المبادرة، بنجاعة وحداثة وإدارة تستشرف المستقبل ولا تتردد في قبول تحدي المنافسة على تجويد الإنتاج وتقليل الكلفة والتطوير الدائم.

يبدو أن هذا، بات يدخل تحت باب التمنيات، لأن حكومات لا تبدي أي اهتمام نحو الشركات التي تمت خصخصتها في الماضي وأبقت على مساهماتها فيها ولم تعد تملك سوى أقل من 49 % بكثير في معظمها أو أكثر، وعلى رأسها الملكية الأردنية، ولا تحرك ساكناً إزاء ما يجري فيها من اختلالات هيكلية ووظيفية وتجاوزات في القرارات التي هي ارتجالية في معظمها، وتنتسب إلى ما قبل عصر الأجواء المفتوحة والمنافسة الحادّة بين شركات الطيران وبخاصة الارتفاع المضطرد في مديونية الملكية واستمرار الخسائر، حتى في ظل انخفاض أسعار وقود الطائرات ـ والنفط في شكل عام ـ بل إن الحكومة ذاتها هي التي تحدد أسماء أعضاء مجالس الإدارات وتتركه مجالاً لتوزيع العصي والجزر على أشخاص معينين وتستبعد المساهمين، صغارهم وكبارهم، ولا يزيد دورهم عن فقدان المزيد من أموالهم، لصالح مزاجية قرارات حكومية وحساباتها الشخصية والفئوية وليس الاقتصادية أو الوطنية.

هنا تزداد المخاوف من تواصل دور كهذا، بعد الإعلان عن قيام الشركة الجديدة لإدارة المساهمات الحكومية بديلاً للمديرية التي كانت مسؤولة عن ذلك وتتبع وزارة المالية.

فهل ستدير الشركة الجديدة هذه المساهمات، بعقلية إدارتها للملكية الأردنية؟ رغم أنها لا تملك الأغلبية بل تستغل صلاحياتها الحكومية التي لا علاقة بالاقتصاد «المخصخص» كما في الخطوط الملكية؟، إلاّ أن الأكثر خطورة هنا، هو أنْ تقوم الحكومة «الحالية أو القادمة» باتباع ذات النهج، كي تحرم القطاع الخاص المساهم في الشركات المخصخصة من دوره وحقه وتقوم بفرض أعضاء مجالس إدارات تريدهم للتنفع أو الاسترضاء أو التعويض عن فقدان وظائف أو تأمين المزيد من النفوذ لهم، وهنا يحق للمرء أنْ يتساءل حول مدى جدية الحكومة في الحديث عن تسهيل الاستثمارات وتطمين المستثمرين وتأمين أرباح مجزية وبلا أخطار مفتعلة لاستثماراتهم؟.

ثم كيف لحكومة أنْ تزاحم المساهمين على أموالهم وحقوقهم وتجبرهم على الخضوع لقراراتها بفرض مجالس إدارات تدير أموالهم وهم غير مساهمين فيها؟ ومّن يُمثل المساهمين وخصوصاً «الضمان الإجتماعي» يمكنه الترشح أو التسمية من الحكومة (الضمان) ولتترك باقي المقاعد للمنافسة بين المساهمين من القطاع الخاص كي يكونوا على بيّنة من القرارات، ومعرفة أين تذهب أموالهم، وليس أن يبقوا كيساً أو جيب أموال للحكومة، تمد يدها إليه كلما أرادت اخفاء قراراتها غير الصحيحة والمرتجلة أحياناً في قطاع أو شركة ما.

يجدر بالحكومة ونحن في شهر نيسان، الذي هو شهر مناقشة الميزانيات وتبرئة مجالس الإدارة بعد إقرار التقارير المحاسبية، أن «تفصح» عن أهدافها وأن تقول بجدية وبكلام مكتوب وملزم، ماذا تريد من وراء القرار الأخير؟ الذي دفن مديرية المساهمات في وزارة المالية، لصالح شركة جديدة مستقلة، ذات صفة اعتبارية.

أم أن وراء «أكمة» الحكومة... ما وراءها؟