فوضى الشوارع

أصبحت أزمة السير في الشوارع، وبخاصة في مدينة عمان وضواحيها، شبه دائمة، ولم تعد مرتبطة بتوقيت معين. وبالطبع، فإن الأزمة مُرشحة للتفاقم في فصل الصيف لأسباب عدة، لاسيما مع عودة المغتربين لزيارة أهلهم وزيادة عدد السياح.
أسباب الأزمة الخانقة في شوارعنا باتت معروفة للجميع، لكن من الضروري التذكير بها في محاولة النظر إلى المستقبل، لأن الوضع، في حال بقي كما هو، مرشح للتفاقم مع مرور الوقت.
إذ لا نستطيع أن ننكر الأثر المباشر للزيادة السكانية، الطبيعية منها والمرتبطة بالهجرة المدنية بعامة، سواء أكانت خارجية بسبب موجات اللجوء المتعاقبة والمعروفة أم بسبب الهجرة الداخلية نتيجة لتراجع الظروف الاقتصادية وعدم المساواة بين العاصمة والمحافظات الأخرى، إذ تُعد عمان الوجهة الرئيسة للهجرة الداخلية. وهذه لها أسباب سياسية مرتبطة بالإقليم وأسباب تنموية مرتبطة بمستوى وطبيعة التنمية في المحافظات، ومستوى الخدمات فيها. وكأي مدينة تتعرض لما تعرضت له عمان من موجات هجرة، فلا بد من أن تعاني من الاكتظاظ السكاني الذي تعاني منه عمان.
أما السبب الثاني الذي لا يقل أهمية، فهو مرتبط بالضعف المتراكم للتنظيم العمراني للمدينة، لا بل النمو العشوائي. والقضية الأهم في هذا المجال هي تداخل النشاط التجاري بالسكني اللذين يتم الفصل بينهما في أغلب الدول، ويجري تنظيمهما على مستوى التجمعات السكانية المحلية. وفي معظم المدن في العالم، فإنك لا تجد، على سبيل المثال، أنشطة تجارية على الشوارع الرئيسة وفي مداخل المدينة، كما هي الحال لدينا، وفي أغلب الأحيان من دون مواصفات ضابطة، كوجود أماكن لاصطفاف السيارات لغايات هذه الأنشطة، فتتحول الشوارع الرئيسة لأماكن للتسوق بدلاً من أن تكون أماكن لنقل المواطنين لغاياتهم المقصودة. وسوء التنظيم هذا أصبح مشكلة مستعصية من الصعب إيجاد حل لها من الناحية التنظيمية، فقد أصبحت أمراً واقعاً.
إضافة الى سوء أو عشوائية التنظيم، تبرز لدينا مشكلة ضعف المواصلات العامة، واقتصارها على الحافلات والمشكلات المعروفة المصاحبة لها. وفي وضع كمدينة عمان تحديداً، وأيضا في بقية المدن الأردنية، وبسبب غياب المواصلات العامة وسوء التنظيم العمراني، يجد المواطنون أنفسهم مجبرين على استخدام مركباتهم الخاصة لأغراض الحياة كافة، مثل العمل، والتسوق، والأنشطة الاجتماعية، بما يزيد من الحركة ويفاقم أزمة السير.
ولعل ما يفاقم الأزمة ويزيد من مخاطرها على السائقين والمواطنين، هو عدم التزام نسبة كبيرة من السائقين بقواعد المرور وقانون السير وأخلاقيات التعامل مع الآخر. لقد أصبحت الشوارع ساحات تنافس بين السائقين تنم عن ثقافة عامة ضحلة، لا تحترم ظروف الآخر ومصالحه في الشارع، في مشهد أقرب للفوضى من أي شيء آخر.
لقد أصبحت مشكلة المواصلات بأبعادها المختلفة مشكلة حقيقية لا تؤثر فقط في الصحة النفسية والجسدية للمواطنين، وإنما بات لها أيضا أثر سلبي كبير على الاقتصاد وعلى المشاركة الاقتصادية، وبخاصة للمواطنين في مناطق بعيدة عن المركز. والحلول السابقة تؤدي الى نتائج يعتدّ بها. ومن ثم لا بد من النظر لهذه المشكلة بطريقة مختلفة.
بداية، لا بد للحلول أن تكون منبثقة من الأسباب التي أدت لهذه المشكلات المستعصية. ولم يعد من الممكن إيجاد حلول للمشكلة من منظور السير فقط، وإنما من خلال الأخذ بالحسبان مسألة السكان والتنظيم، والتفكير في حلول جذرية وخلاقة، ومن دون ذلك ستستمر الأزمة في التفاقم.