الإعلام والفساد

ازداد الإعلام تماهيا في الأجندة السياسية في العالم، وتراجعت استقلاليته حتى في ديمقراطيات عريقة، الأمر الذي أطاح احيانا بطموحات ديمقراطيات ناشئة ودول تمر بمرحلة تحول نحو الديمقراطية، وعلى الرغم مما أتاحته التكنولوجيا الجديدة من فرص غير مسبوقة في الوصول إلى المعلومات وفي انتشار المعلومات إلا أن قوة الحكومات السرية ومقاومتها للحق في الوصول إلى المعلومات العامة ما تزال المعيق الأول أمام قيام الإعلام بدوره في كشف الفساد إلى جانب ظاهرة اختطاف الإعلام من قبل الاجندات السياسية سواء الدولية أو المحلية وهي ظاهرة قديمة جديدة ازداد حضورها في الأعوام الأخيرة تجعلنا نتجاوز الحديث عن الشفافية التقليدية وعن دور الرقيب الإعلامي.
ثلاثة أسئلة في موضوع الإعلام والفساد تبدو اليوم متناقضة وتصلح لوصف مرحلة ما بعد الشفافية التقليدية وترتبط بأداء وسائل الإعلام ذاتها وبحق الجمهور بمساءلتها، هذه الاسئلة هي:
- هل الإعلام يدعم الفساد؟ أي يتواطأ مع الفاسدين ويبرر أو يدعم سلوكهم الفاسد، ويمارس نشر ثقافة التستر في الاعتداء على المال العام، وعدم الإفصاح والشفافية وغياب النزاهة في القطاع الخاص.
- هل الإعلام يضخم قضايا الفساد ويمنحها أكبر من حجمها الحقيقي؟ أي أن وسائل الإعلام تقدم صورة مبالغا فيها حول ممارسة الفساد، وأن الكثير مما ينشر ويبث عن الفساد هو انطباعات عامة، وكلام إنشائي واتهامات لا يتم التحقق منها.
- هل الإعلام بحد ذاته بيئة جاذبة للفساد؟ أي أن مؤسسات الإعلام والإعلاميين يمارسون فسادا ولديهم استعداد للفساد في ممارساتهم، وفي العلاقات بين المؤسسات الإعلامية والأسواق والشركات، وبالأحزاب والنخب السياسية.
جميع هذه الأسئلة تصب في مدى نضوج المهنية والجودة في قيام وسائل الإعلام بوظيفتها الرقابية باعتبارها الممثل للمجتمع والرأي العام وتتحمل مسؤولية أخلاقية في الدفاع عن مصالح المجتمع. وتزداد أهمية ذلك في البيئة الرقمية للإعلام وبمدى حصانة وسائل الإعلام من الاختراق، وما يوفره من فرص أكثر لوسائل الإعلام للقيام بوظيفتها الرقابية من جهة، وما يوفره من إمكانيات لاستخدام الإعلام أداة لنشر المعلومات المضللة حول الفساد.
مسألة اختراق وسائل الإعلام قديمة وعالمية وقد تعمل على تسطيح المهمة الصعبة للإعلام في الكشف عن الفساد او أن تحرّف هذه المهمة عن أهدافها. في عام 2005 نشر أحد مراكز البحوث والرصد البريطاني تقريرا ذكر أنه بين كل 400 صحفي بريطاني هناك 90 صحفيا أو كتابا له صلات بأحد أجهزة الامن والمخابرات.
في الأصول المهنية يقوم الإعلام بتوفير قناة حرة لتدفق المعلومات التي تتيح أمام المجتمع التدقيق في أعمال الحكومة والمؤسسات والأعمال والمصالح الخاصة، كما توفر وسائل الإعلام منبراً حراً للنقاش العام المتعدد الذي يؤسس الحكم الجيد واستدامته.
قبل ثلاثة قرون بدا من الممكن التحدث لأول مرة في التاريخ عن علاقة المعرفة بالقوة، حينما عملت الكلمة المطبوعة على كسر احتكار المعرفة وتعميمها على الناس من خلال الكتاب الجماهيري والصحافة الجماهيرية التي أصبحت تصل إلى الكثير من الناس بسهولة وبكلفة قليلة، حيث فتح تعميم المعرفة وتمليكها للناس هوة كبيرة في جدار احتكار القوة في المجتمع الذي ارتبط بالجهل والغموض والخوف، حينما عمل على تجزئة القوة وتفتيتها بالمعرفة التي باتت في متناول الناس الذين يتسلحون بالمعرفة في مواجهة مراكز القوة التقليدية. من هنا تصبح وسائل الإعلام تشكل قوة. ومن هنا يتضح حجم الصراع على السيطرة عليها.
كلما ازدادت الاختلالات في النظام الدولي وفي المجتمعات أصبح الأساس الفلسفي لوظيفة الإعلام وللحريات المرتبطة بهذه الوظيفة في خطر، حيث يتحول الصراع على السيطرة على هذه القوة. وهذا ما يحدث اليوم وعلينا أن نراقب !