تهافت الشباب بين العريفي وتامر

رغم تناقض مخرجات الرجلين الا انهما نجحا في جذب جمهور عريض من الشباب الاردني – بشكل خاص - الى حضور ندواتهم و حفلاتهم , فالداعية العريفي جمع جمهورا يزيد عن جمهور مباراة كرة قدم بحجم الكلاسيكو للاستماع الى محاضراته الدينية وكذلك فعل نجم الغناء تامر حسني في البحر الميت الجمعة الماضية , وسط تراشق اتهامات تراوحت بين التطرف ضد الداعية  والتغريب او التسطيح ضد المطرب , وكأن الطريق الثالث مفقود امام جيل شاب متاح له الوصول الى التطرف بسهولة كما سهولة الوصول الى التسطيح والفن الهابط .
ثنائية الحالة الاردنية الاقرب الى الشيزوفرينيا الفكرية , انتجت خطابا معاديا واتهامات من العيار الثقيل ضد السماح للداعية بإلقاء محاضراته في عمان , ويومها ظهرت مصطلحات مثل العلمانيين الكفرة ودعاة تفريغ المجتمع من قيمه ضد الذين طالبوا بوقف محاضرات الداعية وعدم السماح له بدخول الاردن من الاساس , وكذلك تراشق جمهور المتدينيين نفس الكلمات ضد جمهور تامر حسني , وسط صمت كثير من منتقدي حضور العريفي من الكتاب والمفكرين عن ادانة جمهور تامر حسني والسماح له بالغناء في مشروع لم يكتمل بل ربما لم يبدأ .
التحرشات والتجاذبات بين المراقبين على تباين مواقعهم تكتفي بالسطحي من الظاهرة دون كلفة البديل الآمن او الملاذ الفكري لجيل يعيش حالة استباحة يوميا من مخرجات الفضاء والعالم الافتراضي , اختصرها أبٌ بقوله : اخشى على اولادي من الشارع والجامع , حيث ينتشر التطرف بالاتجاهين الديني والتغريبي , بعد فراغ المشهد من حالة ثقافية وطنية وحالة توعية دينية معتدلة وناضجة , فنحن امام استقطاب حاد كما يكشفه المقطع العرضي لجمهوري تامر والعريفي , اللذين كشفا حجم الفراغ الوطني والفكري في الساحة الاردنية الطاردة للطريق الثالث القادر على توفير اجابات لاسئلة وطنية مفتوحة .
حد اللحظة لا يوجد مشروع قادر على جذب الشباب اكثر من التدين والغناء وكرة القدم ,على شدة الخصومة بينهما , في ظل تغييب قسري لباقي اشكال الفنون بشكل يستدعي جراحة عاجلة لانتاج مصالحة بين التدين والفنون خصوصا بعد طغيان الفكر الاقصائي الديني لكل اشكال الفنون حد التحريم حتى من شيوخ الاعتدال او مشايخ السلطة ودوائرها , فيما تقف كرة القدم كعامل توازن او نقطة جذب يستثمرها الفنان كما يستثمرها الداعية بشروط واحكام خاصة بالطبع , ولأن الكرة الاردنية لا تحقق ما يصبو اليه الجيل الشاب فقد انحاز بدوره الى النجوم العالميين فجمهور ميسي او رونالدو اكبر من جمهور كل الدعاة وكل المطربين مجتمعين.
 احاديثنا عن مكافحة الارهاب ومواجهة التطرف منقوصة طالما ان الشباب محشور بين اضلاع هذا المثلث المتساوي الاضلاع , في ظل غياب مركز قادر على دمج المكونات الثلاثة في خلّاط وطني او مولينكس اردني قادر على خلط التكوينات وانتاج حالة اعتدال لكل ضلع من الاضلاع مربوطة بالمركز الوطني وقادرة على تخفيف الغلو الشائع بالانحياز الاعمى الى ضلع على حساب الاضلاع الاخرى وفي ابتعاد الاضلاع الثلاثة عن المركز الوطني , الذي قدّم اسوأ النماذج الادارية في التعامل مع الشباب وبرامجهم وحصرها في الرياضة فقط ونادرا ما يقوم المجلس الاعلى للشباب بنشاط وطني خجول او ندوة على عجل .
المشهد الوحيد الذي جمعنا فيه الاضلاع الثلاثة كان في اعلان لمكافحة سرطان الثدي مع شعار " اوعدينا تفحصي " وهذا ليس كافيا بل مدعاة للقلق اكثر من التفاؤل رغم اخلاقية الحملة وضرورتها , فنحن بحاجة الى توليفة او خلطة تحمل مشروعا وطنيا لمواجهة الخراب القادم من الشرق والغرب وكل الاتجاهات واخطر الخطر هو المتنامي بين ظهرانينا من تغريب وتطرف .