صدور الإرادة الملكية ، بتعيين مجلس مفوضين جديد للهيئة المستقلة للانتخابات، أعتقد أنه «ضوء أخضر» لإطلاق عملية الاستعداد لتنظيم الانتخابات النيابية ، وفي ضوء الاستحقاق الدستوري والمعطيات السياسية ، من المرجح أنها ستجرى خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من العام الحالي ، ولا يبدو في الأفق أن ثمة ظروفا استثنائية تستوجب تأجيل الانتخابات ، والتمديد للمجلس السابع عشر ، الذي يوشك على إنهاء ولايته الدستورية بما له وعليه! فما يجري من حولنا من حروب أهلية عربية، مستمرة منذ خمس سنوات ، ومن الواضح أنها لن تتوقف في وقت قريب.
الجديد في الانتخابات المنتظرة، أنها ستجرى وفق قانون جديد مختلف، بشكل جوهري عن قانون الصوت الواحد، الذي لعب دورا سلبيا في تعطيل عملية الاصلاح السياسي ، لمدة تزيد عن عشرين عاما، وأنتج مجالس نيابية ضعيفة بالمجمل ، ذات تمثيل مناطقي وعشائري ، تهتم بالشؤون الخدمية أكثر من التركيز على الدور التشريعي والرقابي ، رغم الصوت العالي الذي يسمع أحيانا في الخطابات التلفزيونية.
ربما يكون الجمهور محبطاً من السياسيين عموما ، بسبب الكم الكبير من المشكلات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية ، التي تعصف بالعباد، وغير مهتم بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية، بل الكثيرون يشعرون بخيبة أمل من أداء النواب الذين انتخبوهم، واكتشفوا أن شعاراتهم كانت سرابا، لكن مع ذلك لا بد أن تستمر الحياة، والانتخابات فرصة للتجديد والاستفادة من أخطاء الماضي.
ينطوي القانون الجديد على إيجابيات، لعل أهمها الانتهاء من الصوت الواحد واعتماد القائمة النسبية للترشح، التي تعطي الناخب عدد أصوات يساوي عدد مقاعد الدائرة الانتخابية، فضلا عن تسهيل إجراءات الاقتراع، وخاصة إلغاء عملية التسجيل المرهقة، واعتماد البطاقة الشخصية كوثيقة للتصويت ، التي ستكون «ذكية» قريبا، لكن ثمة محاذير ينبغي التوقف عندها، وبعضها قد يكون أشبه بـ «مصيدة» انتخابية الأمر الذي يتطلب تكثيف الجهود، لتوعية الناخبين بالقانون وآليات الاقتراع والفرز، وخاصة فيما يتعلق بالقائمة النسبية ، وهي عنصر جديد على الثقافة الانتخابية الأردنية ، حيث كان الناخب يختار مرشحا واحدا ، خلال فترة الصوت الواحد، أما حسب القانون الجديد، فهو ملزم بالتصويت على مرحلتين ، الأولى اختيار إحدى القوائم الانتخابية، وتتضمن بين ثلاثة مرشحين وهو الحد الأدنى المطلوب لتشكيل قائمة، أو أكثر من ذلك حتى الحد الأعلى لعدد مقاعد الدائرة، الذي قد يصل الى عشرة.
والخطوة الثانية المطلوبة من الناخب ، فهي التأشير على اسم مرشح أو أكثر من مرشحي القائمة، وهذه عملية لا تخلو من تعقيد بالنسبة لعدد كبير من الناخبين، خاصة وأن التحالفات التي ستتشكل وفقها القوائم الانتخابية ، ستقوم غالبا بناء على علاقات عشائرية أو شخصية ، وليس على أسس سياسية وفكرية ، حتى لو طرحت برامج انتخابية جميلة، بسبب ضعف الحياة السياسية والغياب الفعال للأحزاب السياسية، على كثرتها العددية.
نقطة أخرى بحاجة الى تنبيه الناخبين لها تتعلق بـ الـ «كوتات» ، سواء المخصصة للمرأة حيث يتيح القانون الجديد للنساء، الترشح على مقاعد الكوتا «15» مقعدا ، أو التنافس على مجمل مقاعد المجلس الـ «130» ، أي أن للمرأة حقا مزدوجا بالترشح ، وثمة حاجة أيضا للتوعية بالنسبة لكيفية الترشح والانتخاب لـ «كوتات» المسيحيين والشيشان والشركس، وكذلك بالنسبة للمقاعد المخصصة للبادية، ومن الأمور المهم التوعية بها، حسبة أصوات القوائم الفائزة ، واسماء الفائزين من مرشحي القائمة، وكيفية توزيع عدد الاصوات «البواقي».
القانون الجديد على ما فيه من ثغرات ، مثل حرمان الاحزاب وشخصيات سياسية من هامش أوسع للمنافسة، عبر «القائمة الوطنية» التي تم إلغاؤها ، لكنه يوفر فرصا أكبر للتفاعل الاجتماعي والسياسي على مستوى المحافظة، الأمر الذي يشكل قاعدة لإنتاج برلمان مختلف، وذلك يتطلب تنظيم حملات توعية واسعة، وهذه مسؤولية مجتمعية تشارك فيها وسائل الاعلام ، والاحزاب والنقابات والهيئات الأهلية من بلديات وأندية ، وجمعيات ومراكز ثقافية و«المستقلة للانتخاب».