رواسِينا - ليست مهنةً ، بل زادُنا

نتعامل مدنياً مع مفهوم حقوق الانسان منذ فترة. و كُرَةُ حقوق الانسان في بلادنا العربية أصبحت كرةً دوليةً تعدّى الاهتمام بها الشأن المحلي بعد ان تعدَّى بَعضُنَا عليها وأصبحت «عبارةُ» حقوق الانسان سلعةً للبعض من الأشخاص المتسيسين ومهنة لبعض مؤسسات أبحاث شخصية او جمعيات سميت مدنية أحياناً ، يهدف بعضها للاسف الحصاد المالي. ويجري تمويل أبحاث موجهة حول الموضوع يستخدمها الممولون لقياس نبض الإدارات والحكومات خاصة تلك في العالم النامي ، لتوجيه دفة الحوْكمة والإدارة فيها باتجاه ايديولوجي معين. ولدينا بالمقابل جمعيات و نشاطات في هذا الحقل لا تخلو من أهداف نبيلة. كما لا يستثنى بلد معتدل، كبلدنا ، وبلاد عربية أخرى ، من نمو» بَعْضْ» الفِطْرِياتْ السياسية المُقنَّعة التي يُعِدُّها البعض «لاقطات» لنبض البلاد والعباد ويلعب بعضها بكرة حقوق الانسان. فتعددت الجهات العاملة دون تنسيق وتُهْدرُ أموال تِباعاً. كُلُّه في مناخ ٍ عربيٍ تذبذبت فيه البوصلة والحاكمية. فَنَسْمَعُ ونقرأُ تقارير إعلامية وإفرازات أبحاث تصف دولة معينة انها تُمارَسُ فيها حوكمة مخالِفةً لحقوق الانسان ، وبالتالي على الدولة او الحُكمْ المُتَّهَمْ ان يُعدِّل ويُصلِح ويُغيِّر وِفْقَ نهج مستورد وشواخص يطلق عليها ، مبادئ حقوق الانسان.
نعم نحن مع ، ونؤمن بمبادئ وحقوق الانسان. ولا يُمْكِنُنَا البتَّةَ ان نَحِيدَ عنها. أَلَمْ تُخاطِبُنا تعاليمنا الروحية ، منذ رسالة نبي الله عيسى المسيح ابن مريم–عليه السلام ، ومن بعده نبينا الأمين محمد صلى الله عليه وسلم ، بِقُدْسيَّةِ الفرد كإنسان، وبحقوقه وأُخُوَّتِه ، وحُدودِه ، من اجل بناء مجتمع إنساني منسجمٍ مستدامٍ يحترم ويحمي الذات والنفس الانسانية وبيئتها والفرد وجيرته والمجتمع ؟ فيُعلِّمُ الإنجيل المؤمنينَ القُدْرَةَ على محبة الآخرين. «.....إن من لا يحبُّ أخاه والذي يُبصره ، كيف يقدر ان يحب الله والذي لم يبصره ( يوحنا 4:19) ; ويؤمن إخوتنا المسيحيون بأن الإنسان قد خُلِق ليتمتع بعلاقة مع الله ، ولكن الخطيئة تفصل كل البشر عن الله ( روميه 5:12، روميه 3: 23)
وبعودة مختصرة على أبحاث علماء أجلاء، اقتبس منها ثماراً مُنتقاة وبعضاً من أيات القرآن الكريم ، ليتبيّن للمُتَمَعِّنِ فيها ان مخاطبة الله سبحانه وتعالى للأفراد، كررت لفظ الإنسانية في مواقع عديدة بارزة: «يأيها الناس..». ولم يقل ياأيُّها العرب أو يا أيُّها البيض او السود.. ؛ « قل اعوذ برب الناس...» ؛ « ياأيُّها الناس إنَّا خلقناكم من نفس واحدة.. « ؛ « الرحمن علم القرآن خلق الانسان علَّمه البيان.. «. وفُسِّرِ ذلك ان الله أعطى الانسان الحريّة والقدرة على ان يُعبِّر عن نفسه ؛ وقال تعالى أيضاً، « ويلٌ لكل هُمَزَةٍ لُمزَةٍ..» تهذيباً للإنسان وإبعاداً لَه عن التعدي حتى عَن اللفظي منه ؛ « وأقيموا الوزن بالقسط ولا تُخْسِروا الميزان..»؛» ولا تَعْثوْا بالأرض مُفسدين..» « والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون..» ولا تطيعوا أمر المُسْرِفين الذين يُفْسِدُون في الارض ولا يُصْلِحُون.. «. والذين هم لفُرُوجِهم حافظون.. « « وإذا المَؤُودَةُ سُؤِلَتْ بأيِّ ذنبٍ قُتِلتْ.. « « «والذين يمنعون الماعون...». «والذين في اموالهم حقٌ معلوم للسائل والمحروم..» فأما اليتيم فلا تقهر..» / كل ذلك يحتضن حقوقاً ومعاني من العدل والإصلاح وعدم التَعدِّي و شواخص تحفظ حقوق المرأة والرجل والطفل المولود واليتيم والأقل حظاً والمجتمع بأسره..إن ما سلف بعضٌ من «الرواسي» والزاد السماويّ الأوَّلْ للإنسان مُنْزَّلَةً من السماء فيها حدود وحقوق وأمن ، سبقت عصرنا في تثبيت حقوق الانسان وأمنه الاجتماعي والاقتصادي. لكننا قصَّرْنا في اتِّبَاعِها فكادت ان تَمِيدَ بِنَا المواقع. وحمل آخرون إلينا زادَنا الاول الذي أهملناه في تراثنا !.
ولا يغيب عني هنا أبداً ان أُذَكِّر بشواخص وميثاق حقوق الانسان الواردة في الدستور الاردني من المادة 5-المادة 27 التي تحتضن رواسي تراثية. وكذلك إعلاؤنا في الاردن ، ومنذ عقود، شاخصة «الانسان أغلى مانملك «. كلها شواخص متينة لحقوق الانسان. لكن حضر على الساحات في بلدنا وبعض البلدان العربية والإفريقية بعض من جمعيات مدنية استظلت بحقوق الانسان تجاوز نفوذ بعضها أحياناً الحدود. فضغطت على حكومات اقليمية في تقارير ظِلٍ مُسيئَة ، واحياناً شارطة. واضْطُرَّت إدارات عربية ، على إنشاء لجان ومؤسسات جديدة تحمل عنوان حقوق الانسان ، إنسجاماً مع التوجه الدولي واتقاءً وتجنُّباً لأشواكٍ وأضرار. وفي هذا حكمة. فلا ضرر ولا ضرار. وكان بلدنا متحركاً نشطاً وجولات سيدنا الملك المعظم على العالم وبرلماناته مُؤَكِّدةً على رَوَاسِي مجتمعاتنا العربية والإسلامية المدنية وعلى التشريع المدني وموروثنا الإنساني. وجمع الاردن في عمان علماء الامم ، العربية والإسلامية وأتباع الديانات السماوية ، وبثَّ شواخص من رسالة امتنا ورسالة عمان وإنجازات التشريع المنسجم معها عندنا. ذلك نهج نعتز به. ويزداد اعتزازُ جلالته بِنَا، متى ما شاهد، وشاهد معَهُ ، الاهلُ والعالمُ ، نماذجَ مضيئةً أكثر عندنا ، تلتقي مع رواسينا، تُعمِّمُ ، وتُجَسِّدُ أننا أُمَّةً لا نهادِنُ في حماية حقوق الانسان: طفلاً وأُمَّاً وأبَاً ، في البيتِ والشارع والمدرسة–لا في تَعَدُّدِ اللجانِ التي تُنشئها بعض الحكومات ، تذوب وتغيب عند غيابها.