البرلمـان المقبل.. وفرص التغيير



لا شكّ أن الاهتمام الملكي الذي يبديه جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين بمؤسسة مجلس النواب يعبر عن التقدير العالي لفكرة تعزيز العمل البرلماني والسياسي في البلاد، وصولاً إلى الحالة الطبيعية للحياة السياسية، بحيث تقود البلاد حكومة برلمانية حقيقية، ويكون المجلس صورة صادقة عن الإرادة الشعبية..

لهذا جاء القانون الجديد للانتخاب خطوة متقدمة نحو تعزيز العمل البرلماني، بذلت الجهات ذات العلاقة في إقراره جهوداً كبيرة من أجل التوافق على قانون متقدم كهذا، نستطيع أن نبني عليه في المستقبل قوانين انتخاب أكثر تطوراً، وهذه هي سنّة العمل السياسي والديمقراطي، بحيث يكون البناء خطوة خطوة، من دون القفز في الهواء، وبما لا يتسبب بانزلاقات في الحياة السياسية والإصلاحية في البلاد.
الرسائل التي يرغب جلالة الملك في إيصالها إلى مجلس النواب في كل خطاباته، ولقاءاته الصحافية، واضحة وشفّافة ومباشرة، وهي أن الأوضاع الصعبة التي تحيط بالبلاد من كل الجهات لن تؤخر عجلة الإصلاح السياسي، لأنه لا حل للاستعصاءات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها المملكة إلا بمزيد من التقدم في مسيرة الإصلاح السياسي.

لنتفق أنه مهما كان التقويم الشعبي لمجلس النواب، فإنه يبقى مصنع الفعل السياسي الحقيقي، ومن دون تطوره وتعزيزه سوف تبقى الحياة السياسية عرجاء، لهذا جاء نظام الحكم في الدستور نيابياً ملكياً.

البرلمان الحالي هو بداية العمل المؤسسي الذي جاء بعد التعديلات الدستورية، بقانون انتخاب دائم، وبكامل المواصفات الدستورية، بمعنى أنه قانون غير مؤقت كالبرلمانات السابقة، وجاء القانون الجديد خطوة أخرى متقدمة لإحداث عنصر التغيير الإيجابي في تركيبة مجلس النواب المقبل، بحيث تأخذ الكفاءات الشبابية والعلمية والأكاديمية والسياسية فرصتها في الوصول إلى قبة البرلمان. البرلمان بحاجة إلى تعزيز عمل الكتل البرلمانية، وتطوير عمل اللجان النيابية، والانتقال بالممارسة البرلمانية من نظام الفزعة إلى العمل المؤسسي.

ووجود الحياة البرلمانية، مهما اختلفنا على تقويم أداء أعضاء المجلس، ضروري ومصيري للبلاد وتطورها، ويبقى دورنا في المراحل المقبلة أن نضغط بعد إقرار القانون الجديد لانتخاب أعضاء أكفاء، "خيرة الخيرة" في البلاد، ممن حرمتهم القوانين السابقة من الوصول إلى قبة البرلمان.
لا ننكر أن الشعب الأردني هو الوحيد في العالم الذي يفرح، وينزل إلى الشوارع ابتهاجاً إذا حُلَّ البرلمان، ويفرح أكثر إذا ما وُجِّهت صفعات أكثر إلى أعضاء مجلس النواب.

لنعترف أنه من الناحية الشعبية، فقد مجلس النواب الحالي مصداقيته في أكثر من منعطف، واكتشف الأردنيون أنه لا يحل ولا يربط، كل هذا وغيره صحيح.. لكن هل في مصلحة حياة البلاد السياسية إسقاط قيمة العمل البرلماني في عيون الأردنيين؟ وأنه لا قيمة لأصواتهم التي تذهب إلى صناديق الاقتراع؟ إذا بقينا نتحدث عن النواب بالطريقة السلبية التي تزدحم بها وسائل التواصل الاجتماعي، والردود الشعبية الحادة، فسوف نصل إلى مرحلة اليأس والكفر بالعمل البرلماني، وعندها لن ينفع أي حديث عن الإصلاح السياسي الشامل.

بتواضع شديد أقول، يخطئ أي إنسان، مواطناً بسيطاً، أو متسيّساً معقّداً، عندما يهاجم وينتقد البرلمان والحياة البرلمانية، إذا ما وقع أحد أعضاء المجلس في خطأ، أو في فعل سلبي، لأنه لا حياة سياسية في البلاد من دون حياة برلمانية، ولا تطور للبلاد من دون الفعل البرلماني الحقيقي.

إن انتقاد تصرف نيابي وسلوكه مهما كان حجم هذا السلوك، فعل طبيعي وحرية رأي وتقويم، أما انتقاد مجلس النواب عموماً، والهجوم على الحياة البرلمانية فهو كمن يكسر ساقه، ويريد بعد ذلك المشاركة في سباق الـ4000 متر.