عن قرار سحب السيارات المخالفة..!

أغلب ردود فعل المواطنين على خبر نية دائرة السير سحب السيارات التي تصطف مزدوجة أمام المولات والمساجد وتغلق الطرق، كانت إيجابية. لكن الكثيرين نبهوا إلى أشياء تلزم حتى يصبح هذا العمل، إذا طُبق فعلاً، عادلاً ومفيداً. البعض طالبوا بتفعيل قوانين السير على كافة المخالفات، وليس الاصطفاف المزدوج فقط. والبعض نبهوا –محقين- إلى أدوار أصحاب الإسكانات والمباني التجارية في التسبب بالمخالفات، بتحايلهم في موضوع "الكراجات" واستغلال أماكنها بسبب الطمع. وآخرون أشاروا إلى سوء تخطيط الطرق وإهمال تخصيص مساحات للاصطفاف، خاصة في الشوارع التجارية أو التي فيها دوائر حكومية ومرافق خدمية. كما أثير الموضوع الدائم المهم: أين هو النقل العام اللائق الذي يغني عن استخدام السيارات الخاصة.
في الجزء الخاص بأصحاب مشاريع الإسكان من التسبب بتعطيل السير، قام متعهد بارز في هذا المجال بما يلي، حسب ما يقول الحارس الذي عايش بناء إحدى العمارات: وضع في الطابق المخصص للخدمات والمرآب أول الأمر غرفة حارقات التدفئة "بويلرات" مريحة فقط. وبعد كشف الجهات المختصة، قلب الطابق رأساً على عقب. أولاً، ضيّق غرفة البويلرات ونقلها من مكانها. فإذا أصاب عطل أحد الحارقات، لا تتيح المسافة بينها مساحة لحركة المهني الذي يناضل في المكان الضيق بأدواته. ثانياً، أنشأ في طابق المرآب شقتين كاملتين، باعهما بأكثر من 80 ألف دينار في ذلك الوقت. ثالثاً، وضع في المكان خزانات مياه احتياطية وباعها للمشترين بسعر منفصل على أنها إضافة اختيارية. وفي النهاية، تبقى في طابق المرآب لاثنتي عشرة شقة، مواقف لأربع سيارات فقط. والباقي: في الشارع.
لست متأكداً مما إذا كان صاحب الإسكان المذكور قد دفع غرامة، أو أنه دفع "إكرامية" لأحد ما. لكنه لو دفع 30 ألفا دينار مقابل الأكثر من ثمانين ألفا التي باع بها الشقتين الإضافيتين، فإنه سيبقى كاسباً بالتأكيد. والمشترون المتلهفون يضطرون غالباً إلى القبول بالأشياء كما هي عليه. ولو كان القانون حازماً بحيث يهدم البناء الإضافي المخالف بدل الغرامة أو إدارة الوجه، لتخلص شارع الحي من 15 سيارة تقريباً من هذه العمارة تصطف في الشارع. وكذلك حال بقية المباني.
في العمارات التجارية، غالباً ما يكون المرآب الداخلي ضيقاً أيضاً، وبالكاد يتسع لسيارات أصحاب المكاتب والمحلات في العمارة المعنية. ولعل من البديهي في هذه المباني "التجارية" أن يكون هناك طرف آخر في المبادلة، هو الزبون أو المستهلك. وغالباً ما يأتي هؤلاء بسياراتهم لأسباب ليس أقلها عدم وجود وسائل نقل عام مناسبة. وعندما يأتون، لا يجدون مكاناً في المرآب الداخلي المحجوز والمحروس. وإذا أرادوا الاصطفاف في المساحة أمام المبنى، فإنهم إما سيجدون أصحاب المحلات التي على الشارع في الطابق السفلي قد حجزوا المساحات بوضع أشياء، أو بتشغيل حارس يمنع المصطفين. فماذا عن زبائن المكاتب الكثيرة في المبنى؟ وكيف يستقيم النشاط التجاري بهذه الصفة؟
المسؤولية بالدرجة الأولى في هذه المسألة هي على عاتق المسؤولين. أولاً، هناك الذي خطط الشارع ومنح التراخيص. والعيب البائن الذي لا يحتاج إلى ذكاء، هو أن المباني المعروف أنها تجارية، تُبنى من دون ترك مسافة بينها وبين الشارع للاصطفاف. وعندما يفطن المسؤولون بعد فوات الأوان، يحاولون اختلاق حلول، عن طريق "أكتاف الطريق" مثلاً، فيزيدون الطين بِلة كما يحدث في شارع المدينة المنورة. والمفروض أن شوارع العاصمة الغربية حديثة النشأة نسبياً. فكيف يخفق المخططون في تقدير زيادة السكان والسيارات المتوقعة ولا يحسبون حساباً للطوارئ؟ أم أن نافذين من أصحاب الأرض لم يشاؤوا التخلي –أو بيع- جزء منها للدولة لأجل حرم الشارع؟ وهناك أيضاً مسؤولية صاحب المبنى الذي يبخل على المستفيدين من عمارته بترك طابق مناسب للزبائن أيضاً، وكل شيء بثمنه –لولا الطمع.
تبقى مسألة يجادل بها الكثيرون. ويقول البعض إنهم إذا لم يجدوا نقلاً عاماً يغنيهم عن استخدام سياراتهم، ولم يجدوا مكان اصطفاف حيث يقصدون، فما البديل من الاصطفاف المزدوج وبقية المخالفات بسبب الطريق؟ الجواب الوحيد هو تحكيم معيار الأخلاق وتقدير عدم الإضرار بمواطنك وغلق طريقه، ليعاقبك ويغلق عليك الطريق غداً. والحل دائماً في تفعيل القوانين والتخطيط بمسؤولية، ومحاسبة الجميع على قدم المساواة.