ظاهرة يفسرها الإسلام نفسه

يحار المراقبون في تفسير أسباب دخول أعداد كبيرة من الاوروبيين في الاسلام, وينتبه بعضهم الى انه كلما اشتد الهجوم على شخصية الرسول محمد صلوات الله وسلامه عليه ازداد عدد الذين يعلنون اسلامهم. واذا صح ان ثمانمئة بريطاني يعلنون الشهادة كل شهر, فإن بنا ان نزعم ان المسألة تتجاوز السياسة واسبابها الى ما وراء ذلك من بحث انساني مشروع عن اطمئنان روحي, وعن رؤية لحياته وما وراء حياته يطئمن اليها, اذ بهذا لا بغيره يمكن ادراك دواعي هذا الاقبال, على الرغم من محاولات ربط الاسلام بالارهاب, او اصطناع ارهاب يخدم هذه المحاولات.

إن الناس في الغرب وفي الشرق على حد سواء لم يعودوا يثقون بالاعلام الرسمي للدول, ولا بالصور الشائهة التي تقدمها أجهزة الاستشراق الاستعماري والبؤر الاكاديمية التي تخصصت في اقتراح الوسائل الكفيلة بتمزيق العرب والمسلمين, وباستباق الوعي الغربي الذي بدأ يستيقظ على أدواء الرأسمالية والليبرالية المتوحشة, ويبحث عن فلسفة جديدة للحياة, بحيث تقيم لهذا الوعي صورة غير صحيحة للاسلام, حذر أن ينظر اليه بصفة كونه بديلاً حضارياً, على نحو ما كان من مراد هوفمان الالماني في كتابه: «الاسلام كبديل» وعلى نحو ما كان من روجيه غارودي في عدد من كتبه.
والاسلام, كما قد يفهمه المسلمون الاوروبيون والاميركان – وهم في تزايد – مشتمل الخطاب والتصور على القيم المسيحية التي غُلبت على أمرها في الغرب المتوحش. بل إن تقاة المسيحيين يرحبون بالحضور المتنامي للاسلام, ولا يمكن ان ننسى كيف احتفي برفع الأذان في احدى الكنائس الاميركية, وكيف استمع اليه جمع من الآباء والراهبات خاشعين.. بل اننا لا نعدم في كنائس الغرب من يرى الاسلام والمسيحية في خندق واحد في مواجهة المادية المطبقة التي تضيق بها الارواح, ومن ينعطف في دراسة الاسلام انعطافة حاسمة بعيداً عن مناهج الاستشراق القديم الذي تكشفت مآربه وتبين قصوره.
إن دراسة شاملة لأثر الاسلام في «الغرب المعاصر» لم تتحقق بعد, لا من مؤسسة اكاديمية, أو من مركز ابحاث, أو من مجموعة افراد يدفعهم هاجس علمي اصيل الى مثل هذه الدراسة, وإنه لامر متوقع ان تكون معظم الدراسات المتوافرة حالياً موظفة لخدمة سياسات الدول, وعرضة للاغراض والاهواء.
ولعل مما يوقع في ألوان من اللبس في هذه المسألة ان كثيراً من مراكز الدراسات المبثوثة في شتى بقاع الارض, والتي تزعم الاهتمام بالاسلام وواقع المسلمين, انما هي مراكز مقتصرة على «رفع التقارير» الى مخططي السياسات وراسمي السيناريوهات في الدوائر الاستعمارية الجديدة. ولعل لغة الارقام هنا أن تكون ذات دلالة حاسمة, فالأعداد المتزايدة للمسلمين الجدد في اوروبا والاميركيتين وسائر انحاء المعمورة, وعلى الرغم مما يسمونه «الاسلاموفوبيا», ومما يشعلونه من فتن ويختلقونه من منظمات وشخصيات, لا تفسر الا بالاسلام نفسه, وبما يقدمه للبشرية من رؤى وتصورات, وما يقيمه من توازن في الأنفس وفي العقول.