الفرصة والتحدي

منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في العالم العربي، العام 2011، يعيش الأردن والمنطقة ظروفاً استثنائية؛ سياسياً واقتصادياً وديموغرافياً، باتت معروفة ولا داعي لذكرها. ومن أهم الآثار التي ترتبت على الأردن، استضافته لأكثر من مليون لاجئ سوري على أراضيه، الأمر الذي ترتبت عليه أعباء استثنائية. وقد ساهمت المساعدات الأممية في مساعدة الأردن على تجاوز الأزمة الإنسانية للاجئين، لكن الأزمة السورية مستمرة. ومن المرجح أن يتراجع الدعم الدولي لسدّ الحاجات الإنسانية للاجئين الذين لا يتوقع عودتهم لبلادهم قريباً حسب العديد من المعطيات؛ إذ من المتوقع أن يستمر اللاجئون السوريون في الأردن لفترة زمنية طويلة.
هناك تغيير إيجابي في التفكير الدولي لمعالجة أزمة اللاجئين في الدول المضيفة، تمخض عن مؤتمر لندن. وقد قاد الأردن جهداً مضنياً وحثيثاً في تغيير الموقف الدولي هذا. والفرصة الآن تكمن في بعدين: الأول، امتلاك اللاجئين السوريين لمهارات وخبرات اقتصادية مهمة في شتى القطاعات؛ الزراعية والتشييد وفي الصناعات الخفيفة. أما البعد الثاني، فهو الرغبة والاستعداد الدوليين لتقديم مساعدات وتسهيلات ترتبط بالاستثمار، وتوفير فرص العمل من خلال القطاع الخاص الأردني والعربي والأجنبي للأردنيين والسوريين على حد سواء، الأمر الذي تبرز من خلاله فرصة للنهوض بالاقتصاد الأردني بشكل عام، ستنعكس آثارها في حال حصوله على الجميع.
لكن التحدي يكمن في قدرة الحكومة والقطاع الخاص على التقاط هذه الفرصة التاريخية، وبلورة سياسة وخطط اقتصادية وتنموية تمكن من إخراج الاقتصاد الأردني من عنق الزجاجة.
الإمكانية النظرية متوفرة، لكن هناك شكوك حول إمكانية الحكومة الحالية بانتهازها والتقاط هذه الفرصة التي لن تكون مفتوحة. ولا أريد الحكم على قدرة الحكومة على القيام بذلك من عدمه، ولكن يمكن الخروج باستنتاجات إذا ما أخذنا الأمور التالية بالاعتبار:
أولاً: إن الظروف الاستثنائية اقتصادياً التي يمر فيها الأردن، تتم معالجتها بالسياسات والحلول والأدوات نفسها المتبعة في كل الأحوال التي إن استطاعت التخفيف من آثار الأزمة، إلا أنها ليست قادرة على الخروج منها.
ثانياً: إن الحكومة والمؤسسات الأخرى ذات العلاقة تعيش حالة ترقب قد تطول حول مستقبلها السياسي، وبخاصة بعد إقرار قانون الانتخابات البرلمانية، وهي تتحوّل إلى ما يمكن وصفه بـ"حكومة تسيير أعمال" بانتظار خريطة الطريق السياسية فيما يتعلق بموعد الانتخابات البرلمانية المقبلة الذي يعني رحيل الحكومة إذا ما تم حل مجلس النواب لأجل إجراء انتخابات برلمانية حسب القانون الجديد.
هذه المعطيات تضعف من قدرة الحكومة على تحويل هذا التحدي إلى فرصة. فالحكومة ساهمت في تحوّل المجتمع الدولي إلى هذه المقاربة الجديدة، ولكنها قد لا تكون قادرة على الاستفادة من هذه الفرصة التي قد لا تتكرر. والاستكانة لهذا التحدي ليست قدراً. وبصرف النظر عن العمر المتوقع للحكومة الحالية، فهي مدينة للشعب الأردني والدولة الأردنية في بلورة السياسات والخطط وتهيئة الظروف المناسبة للاستفادة من المعطيات الدولية والإقليمية والوطنية الراهنة.
لقد تمكّن الأردن؛ دولة وشعباً، من الصمود أمام التحديات الخارجية الجمّة التي واجهها في السنوات الماضية. والمطلوب الآن البناء على ذلك، والتمهيد لانطلاقة اقتصادية تعالج المشكلات التنموية التي تعاني منها المملكة.