وصية بن لادن: كتبها في ديسمبر 2001 في ذروة القصف الأميركي على أفغانستان لقتله

 

أخبار البلد - في حمأة الحرب الأميركية على أفغانستان والتي شنت في أعقاب هجمات 11 سبتمبر وكان هدفها الأساسي إيجاد أسامة بن لادن والقضاء عليه وعلى تنظيم القاعدة، كتب اسامة بن لادن وصيته في 4 صفحات مكتوبة على الكمبيوتر وموقعة بيده وبرز فيها توقعه أن مقتله سيكون نتيجة خيانة وغدر من المحيطين به.

 

الوثيقة (الوصية) صنفت سرية وخاصة تحت عنوان «وصية الفقير إلى ربه تعالى اسامة بن محمد بن لادن» ومؤرخة في 14 ديسمبر 2001 وتحمل توقيعه وانفردت مجلة المجلة في حينها بنشرها.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وصية الفقير إلى ربه تعالى أسامة بن محمد بن لادن

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين، نستغفره ونستهديه ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلله الله فلا هادي له: وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، نرجوه سبحانه وتعالى أن يتقبلنا في الشهداء والصالحين من عباده وأن يميتنا مسلمين.

 

أوصانا الله سبحانه وتعالى إذا حضر أحدنا الموت أن يترك وصية للوالدين والأقربين، وعامة المسلمين هم في الزمن المشؤوم بمنزلة الوالدين والأقربين، ما يحز في أنفسهم يحز في نفسي وما يحزنهم يحزنني والله سبحانه وتعالى على ما أقول شهيد.

 

يشهد الله ان حب الجهاد والموت في سبيل الله ملك عليّ حياتي وتغلغلت آيات السيف في كل خلية من قلبي (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة)، وكم مرة أستيقظ من نومي فأجد نفسي أتلو هذه الآية الكريمة. لو ان كل مسلم يسأل نفسه لماذا وصلت أمتنا الى ما هي فيه من هوان وانكسار لكان جوابه البديهي لأنها تكالبت على متاع الدنيا ونبذت كتاب الله وراء ظهرها وهو الوحيد الذي فيه شفاؤها وفلاحها في العاجلة والآجلة، لقد أغرانا اليهود والنصاري بمتاع الدنيا وملذاتها الرخيصة وغزونا بقيمهم المادية قبل ان يغزونا بجيوشهم ونحن كالنساء لا نحرك ساكنا، لأن حب الموت في سبيل الله فارق القلوب.

 

لقد حزّ في نفسي ونفوس اخوتي المجاهدين ان رأينا أمتنا في مشارق الأرض ومغاربها تتفرج على أميركا تسوم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان سوء العذاب والأمة تتفرج على المشهد الدامي كمن يتفرج على فيلم للتسلية. علة العلل في بلاء امتنا هو خوفها من الموت في سبيل الله، لقد انعكست الآية فرأينا الصليبيين الجبناء واليهود الأذلاء يصمدون في قتالنا وجنود أمتنا يرفعون الراية البيضاء ويستسلمون لأعدائهم، حتى طلبة الدين (أي طالبان) لم تصمد منهم إلا قلة قليلة، أما الباقون فاستسلموا أو فروا قبل لقاء العدو، واليوم قعدت الأمة عن نصرتنا ونصرة المخلصين من طلبة الدين الذين أقاموا أول دولة إسلامية في أفغانستان طبقت شرع الله، ويكفي على ذلك دليلا حقد أميركا على طلبة الدين وقوانينهم الأساسية. انها بالتواطؤ مع عملائها في تحالف الشمال وحكومات اخرى، الذين جندوا مخابراتهم في خدمة اميركا وبريطانيا والغرب الكافر، ألغت القوانين الأساسية التي سنتها حكومة طلبة الدين فألغت الحجاب وإرخاء اللحى وأعادت عادات التشبه بالكفار. الأمة بعلمائها الذين يهدونها سواء السبيل، وعلتنا اليوم هي ان علماء الأمة تنكروا لرسالتهم في إرشاد الأمة، لقد بلغ ضلالهم وتضليلهم درجة لا يصدقها المسلم، فقد جاءوا الى أفغانستان لصد علمائها عن تحطيم الأوثان البوذية لكن علماء طلبة الدين الأفاضل ردوهم خائبين. وكانت حجة شيخ ومرافقيه هي ضرورة إرضاء اليهود والنصارى ورأيهم العام، وتناسوا قول الله سبحانه وتعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).

 

هؤلاء العلماء خانوا رسالتهم في خدمة الأمة وقضاياها ووالوا أعداءها وعادوا طليعتها المجاهدة التي أنزلت بأميركا أول هزيمة في تاريخها ستكون بإذن الله كغزوة مؤتة التي قادها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدت الى زوال دولتهم.

 

وقفة نيويورك وواشنطن الضربة الثالثة من الضربات المتصاعدة التي تلقتها اميركا أولاها تفجير المارينز في لبنان وثانيتها تفجير سفارة اميركا في نيروبي التي انطلق منها الغزو الاميركي للصومال حيث قتل من اخواننا 31 ألفا تحت راية الأمم المتحدة، رغم النكسة التي ابتلانا بها الله سبحانه وتعالى ستؤدي هذه الموقعة الى زوال أميركا والغرب الكافر ولو بعد عشرات السنين.

 

فيا شباب الأمة: احرصوا على الموت توهب لكم الحياة واستمعوا للقلة من علماء الأمة المتمسكين بالحاكمية والبراء والولاء والمعادين لمن يوالون أعداء الأمة الذين أخذوا أفكار البشر الوضعية وعادات وانحرافات الأمم الجاهلية مثل الاقتراض من المصارف الربوية وقوانين الجنايات والمعاملات والتأمينات العلمانية والسماح بتأسيس الأحزاب والنقابات والجمعيات النسائية والإنسانية وجميعها بدع مرفوضة بإجماع علماء السلف والخلف.

 

يا علماء الإسلام: إنكم اليوم قلة قليلة أعرفكم بالاسم واقرأ لكم بياناتكم وفتاواكم الصادقة، لكن لا أريد ذكركم بالاسم حتى لا أقدم لأعداء الله ذريعة يبحثون عنها للتنكيل بكم في هذه الأيام العصيبة علينا.

 

يا معشر النساء: إياكم والتبرج وتقليد مومسات الغرب ومسترجلاته، كن مدرسة لتخريج الرجال والمجاهدين في سبيل الله، وحافظن على شرفكن ولتكن لكن في أمهات المؤمنين أسوة حسنة.

 

ايتها الزوجات: جزاكم الله عني خيرا. فقد كنتن لي بعد الله سبحانه وتعالى خير سند وخير معين من أول يوم كنتن تعرفن أن الطريق مزروع بالاشواك والالغام. تركتن نعيم الاهل واخترتن بجانبي شظف العيش. كنتن زاهدات في الحياة معي فازددن فيها زهدا بعدي، ولا تفكرن في الزواج حسبكن رعاية ابنائنا وتقديم التضحية والدعاء الصالح لهم. أما انتم يا أبنائي: سامحوني لأني لم أعطكم إلا القليل من وقتي منذ استجبت لداعي الجهاد. لقد حملت هم المسلمين وهم قضاياهم. لقد اخترت طريقا محفوفا بالاخطار وتكبدت في ذلك المشاق والمنغصات والغدر والخيانة ولولا الخيانة لكان الحال اليوم غير الحال والمآل غير المآل. أوصيكم بتقوى الله فإنها أثمن زاد في الحياة الدنيا وأوصيكم بعدم العمل في القاعدة والجبهة أسوة بما أوصى به سيدنا عمر بن الخطاب ابنه عبدالله، رضي الله عنهما. فقد نهاه عن تولي الخلافة «إن خيرا فقد اصبنا منه وإن كانت شرا فحسب آل الخطاب ما ناله منها عمر».

 

نصيحتي الأخيرة الى المجاهدين كافة أينما كانوا: استردوا أنفاسكم وتناسوا إلى حين قتال اليهود والصليبيين وانصرفوا الى تطهير صفوفكم من العملاء والمتخاذلين وعلماء السوء المتقاعدين عن الجهاد والمخذلين للأمة.

 

أخوكم أبو عبدالله أسامة بن محمد بن لادن.

 

الجمعة 28 رمضان سنة 1422 الموافق ليوم 14/12/2001.

 

تحليل للوصية

 

تعد هذه الوصية وثيقة بالغة الأهمية كونها تؤشر الى طريقة تفكير وعمل بن لادن في الظروف الصعبة، كما ان تاريخها المسجل 28 رمضان 1422 الموافق 14/12/2001 يطابق ما يعتقده الخبراء آخر تاريخ مؤكد لبقاء بن لادن على قيد الحياة، ومن قراءة الوصية ومحتواها تبرز أكثر من علامة استفهام:

 

أولا: من المؤكد ان هذه الوصية كتبت أثناء الضغط الذي مارسته القوات الأميركية في جبهات القتال، فشعر معها بن لادن بأن أجله قد اقترب، ويتذكر المتابعون والمحللون ان التاريخ الذي ذيلت به الوصية يشير الى تلك الفترة التي غاب فيها بن لادن عن السمع والنظر، وراح الجميع يشير الى احتمال مقتله، بل ان رئيس الوزراء الباكستاني برويز مشرف قال علنا ان بن لادن مات، استنادا الى معلومات توافرت لديه بأن القصف الأميركي للمنطقة التي يوجد فيها بن لادن قد أصابته في مقتل. وحتى الآن، فإن بن لادن لم يظهر بشكل واضح وصريح يشير فيه الى انه على قيد الحياة، على الرغم من الشريط الأخير الذي وزع بصوته والذي لا يتضمن اي معلومة موثقة من حيث توقيت الحدث او الاستشهاد بتاريخ قضية عامة، بل كان دعوة الى الجهاد يمكن ان تكون من اي خطاب له في جمع أو حشد أو أثناء إلقاء محاضرات بين أعضاء تنظيم القاعدة.

 

ثانيا: يشير بن لادن الى «الغدر والخيانة» في اكثر من موقع وكأنه يتوقع «خيانة وغدرا» من المحيطين به، ومما يؤكد هذا الانطباع ايضا قوله في مقطع آخر، وهو يتحدث بمرارة عما وقع بعد الهجوم الأميركي عندما قال: حتى طلبة الدين (يقصد الطالبان) لم تصمد منهم إلا قلة قليلة، أما الباقون فاستسلموا أو فروا قبل لقاء العدو.

 

وشدد بن لادن مرة اخرى على قضية الخيانة في وضع اكثر دقة عندما قال: «لقد اخترت طريقا محفوفا بالأخطار وتكبدت في سبيل ذلك المشقات والمنغصات والغدر والخيانة، ولولا الخيانة لكان الحال اليوم غير الحال والمآل غير المآل».

 

ثالثا: زوجاته، لم يشر الى عددهن ولم يخص احداهن بشيء مميز لاسيما أقدمهن، ولم يذكر من بقي معه منهن او من تركنه وعدن الى بلاده او الى اي مكان آخر، كل ما في الأمر انه طلب منهن عدم الزواج من بعده.

 

رابعا: لم يحدد عدد أبنائه ولا من بقي معه منهم، وهل هم برفقته أم في مكان آمن، ومن يقوم بحمايتهم ويسهر على أمنهم وراحتهم.

 

واللافت بالنسبة الى ابنائه انه دعاهم الى عدم العمل في القاعدة «الجبهة العالمية لمحاربة اليهود والنصارى» التي أسسها لدى انضمام تنظيم الجهاد المصري الذي يتزعمه ايمن الظواهري، وبالنظر الى الدليل الذي ساقه عن عمر بن الخطاب يتضح انه عانى من «القاعدة» اكثر مما استفاد منها بدليل تأكيده على أولاده الابتعاد عنها.

 

خامسا: توصية بن لادن لأتباعه الذين يخاطبهم في الوصية بقوله «الى جميع المجاهدين.. بأن يقوموا ـ في حال مقتله طبعا ـ بتناسي قتال اليهود والصليبيين الى حين، والانصراف الى تطهير صفوفهم من العملاء والمتخاذلين وعلماء السوء المتقاعدين عن الجهاد والمخذلين للأمة». وفضلا عن كون هذه التوصية تعني توقيف «الجهاد العالمي» والانصراف الى إعادة ترتيب وتنقية الصفوف، فإنها تؤكد مرة اخرى أهمية ما تحدث عنه بن لادن بخصوص «الغدر والخيانة» الى درجة ان يجعل أولوية ما يوصي به رجاله، في حال مقتله، الانصراف الى تطهير الصفوف، ولو تطلب ذلك نسيان أو وقف «الجهاد العالمي» الى حين، وان كان يمكن ان يفسر على انه زرع لخلايا جديدة للقاعدة في أماكن اخرى من العالم خارج أفغانستان، وفق ما يؤكده بعض الخبراء.

 

سادسا: لم يشر الى اي من أصدقائه أو المقربين منه أمثال: الملا عمر وأيمن الظواهري وأبوحفص وسيف العدل وغيرهم، وفي ذلك شيء لافت وكأن الوصية كتبت بعيدا عنهم.