«بناء جسورٍ أَوْلى من الأبراج»


في لقاء أول من أمس مع ضيفنا الذي نحترم - رئيس وزراء تركيا السيد أحمد دَاوُدَ أوغلو - في زيارته لعمان سمعنا منه مايفيد بأن تركيا عاصرت العديد من الهزّات عبر المائة سنة الماضية ومايتعلق الامر بالتطرف والإرهاب والخوف في الغرب وفي الإقليم العربي من الاسلام (. Islam phobia ) والتقسيم الإثنيِّ. واكَّدَ ان تركيا ليست معنية بتصدير اي نموذج للديمقراطية ؛ وأن تركيا تهتم وتحترم إلادارات- ويقصد العربية والإسلامية وبالذات تلك التي وصلت الى الحكم بإرادة الشعب فهي التي تفهمها تركيا وتحترم إرادات شعوبها.

 لا ريب إن تركيا دولة ذات ثقل سياسي واقتصادي وديمغرافي ( حوالي 80مليون نسمة) واجب أخذها بالحساب السياسي ، ولها منزلة في الشارع العربي والإسلامي ، خاصة حين لعبت دور المدافع والحامي والمناكف للإدارة الإسرائيلية في إعتداءاتها على اخوتنا في غزة.

وبمداخلة لي «أَعَدّْتُ لذاكرةِ الضيف»، ما عُرِفَ عن ان تركيا كان لها مبدأ سياسيٌ Doctrine مَفادُهُ :» صفر من مشاكل مع الجيران» (Zero Problems with Neighbours ).؛ ومن الذاكرة نقلت للضيف سجلاً وأمثلةً لرؤساء وزارات اتراك سابقين أمثال توركوت أوزال وأجاويد - الى حد ما - رؤساء وضعوا نصب اعينهم توجيه سفينة تركيا باتجاه العالم العربي، لما في ذلك من مصلحة اقتصادية لتركيا أولا ثم مصلحة اجتماعية تدعمها علاقة المعتقد الديني والتراث الاجتماعي مع الشعوب العربية.كل ذلك في ضوء التغاضي الأوروبي المستمر عن قبول تركيا عضوة كاملة في الاتحاد الأوروبي. فبنت تركيا وفق ذاك المبدأ، علاقات اقتصادية وسياسية نافعة مع سوريا الأسد وصلت من العناق الاقتصادي حد إلغاء تصاريح الدخول لرعايا البلدين والانسجام الجمركي.. الخ وكذلك تقربت من ايران احمد نجاد؛ وعلاقات متنامية مع مصر والسعودية والعراق وليبيا ودوّل الخليج.


كما سمع الرئيس الضيف مني ان السياسة التركية السابقة التي ارتكزت على تجذير مبدأ: «صفر مشاكل مع الجيران - قد تغيرت بِأُخرى أفرزت حالة «مشاكل مع معظم الجيران» - مع سوريا ومصر والعراق وإيران... الخ وأكثر من ذلك توجه وشوقٌ حميم نحو الاتحاد الاوروبي ساعيةً قبول تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي ولعب سياسي على اللحن الأميركي كلما تَصَلَّبَ موقف الأورربيين نحو تركيا. لا ضير في اللعب السياسي هذا لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية لتركيا.

 لكن «الإغراق» في عشق أوروبا في حين ان المعشوق لا رغبة له البتة في منح العاشق عضوية متساوية مع بقية الأعضاء ، بالتزامن مع الإبقاء على شاخصة التقرَّب» نحو العرب، شعاراً، هي مسألةٌ تحتاج من تركيا جهداً كبيرا لإقناع الساسة العرب بمصداقية شعار التقرُّب التركي هَذَا نحوهم.

وسمع الضيف قناعاتنا بأنه مهما قدمت أوروبا لتركيا من دعم نقدي او تسهيل للعمالة التركية في الاتحاد الأوروبي ، كل ذلك مُسكِّناتٌ أوروبية مؤقتة وشراءُ وقت وتحقيق منافع، بالإنابة، لاوروبا ( قضية السيطرة على حركة اللاجئين السوريين) ولن يؤدي ذلك في الختام الى جلوس تركيا «مرتاحة» في الحضن الاوروبي خصوصاً وان بوادر نمو اليمين المتطرف في أوروبا ونجاحات أحزابه هي ملموسة وغير مريحة بل مُعادية.


وطبيعي ومفهوم ايضاً ان يدافع المسؤول الديبلوماسي الضيف عن سياسة بلده وأنها تحترم الإدارات العربية لكنها تحترم وتقدر إفرازات الشارع العربي وتتفهم وتقف مع الإدارات التي تأتي بالانتخاب وبصوت الشارع. وذلك كان رداً من الضيف على وقوف تركيا مع إدارة الرئيس مرسي وليس مع الرئيس السيسي في مصر. وكذلك موقفها مع الادارة التونسية. هل هي مصادفة هذا الموقف السياسي التركي المعلن ، مع ذلك الذي صرح به الرئيس الأميركي اوباما؟


لقد أطرى الضيف على الأردن وأظهر محبة له ولقيادته، وحنين وذكريات جميلة له أثناء دراسته العربية في الجامعة الأردنية عام 1989 ، كما أبدع في سرد نجاحات للاقتصاد التركي، وفي نية حكومته بناء «أعلى برج» في الشرق الأوسط هناك. فأفصحت للضيف عن سعادتي بالنجاحات ، وأن سعادتي، اكبر كثيراً، حين تسعى تركيا بناء «جسور» أقوى مع جيرانها العرب ، وبالذات بالتعاون مع الأردن ذو المصداقية ومع السعودية والخليج للخروج من الخريف العربي بأمان !