ابن لادن لم يقتل بل ولد من جديد : قتل برصاص أمريكي بينما خلع الزعماء بأيد عربية

 

أخبار البلد- كتب عمر شاهين - وأخيرا توفي المليونير المقاتل الشيخ أسامة ابن لادن،أو كما يسميه اتباعه بشيخ المجاهدين، في فترة تساقط فيها كبار أباطرة الحكم العربي الذين وصفهم مظفر النواب يوما بأنهم "قوات الردع"...  قتل أكبر رمز للسلفية الجهادية برصاص أمريكي ، لاحقا بأكبر رمز قومي عربي في العصر الحديث الرئيس العراقي صدام حسين .

وما بين مشنقة  صدام حسين و رصاصة ابن لادن تبقى أمريكا واحدة في نظر الشعب العربي دولة يكنوا لها كل الكراهية ويمجدون اعدائها، فمن المؤكد أن من يعادي أمريكا هو بطل أسطوري بغض النظر عن خلفيته السياسية فمن أيد صدام ليس من تبعيته للبعث وكذلك من بكى على ابن لادن ليس اقتناعا بالقاعدة وخلفياتها السياسية بقدر انه كان الوحيد  الذي يترك  إتباعه خلفهم جثثا من المار ينز فيما كان صدام حسن اكبر زعيم عربي تحدى أمريكا وقصفها إسرائيل بالصواريخ، بينما خسر الحكام العرب شعوبهم وتاريخهم، وتدنست أيديهم بدماء مواطنيهم وفي المقابل دنست بأيد الأمريكان.وتساوى  إرهاب القاعدة مع إرهاب الأجهزة الأمنية ، واختلفوا في العلاقة مع أمريكا.

 برأي أن ابن لادن لم يكن قائدا ميدانيا عسكريا بعد أحداث سبتمبر بل رمزا أسطوريا لقاهر أمريكا ، كما ينظر له أتباعه، وهناك الملايين الذين يكنون له الكثير من الإعجاب ويخشون التعبير عن ذلك تجنبا لمحاسبة قوانين محاربة الإرهاب، والشعوب العربية تتفق مع القاعدة بنقطتين رئيسيتين أصبحتا اليوم معلنتان ، وهما العداء لأمريكا  مغذية الاحتلال الإسرائيلي، وسارقة نفط العرب وداعمة الأنظمة الدكتاتورية وخاصة التي خلعت، والعداء للأنظمة العربية والسعي لخلعها، وبقي الخلاف بين الشعوب الإسلامية والقاعدة ، تتعلق باستهداف المدنيين وعدم مواجهة أنظمة الحكم بالسلاح، وعدم التحرش بالغرب دون قدرة عسكرية كافية لمواجهة ردة الفعل كالتي حدثت فعلا .

ابن لادن رجل نادر جدا، ترك المليارات والشركات الكبرى، وهاجر إلى أفغانستان لقتال الاحتلال السوفيتي، ومن ثم انغمس في الفصائل هناك وشكل قوى كبيرة ، تحيطها الكثير من الأسئلة ، بعد أن تفوق على زعماء القبائل الأفغان، ونحى من حيث اغتيل غيره، وصنع لنفسه وجودا عسكريا فاق القوى الأفغانية الأخرى حتى بات الزعيم العربي الأول في التاريخ  الذي سيطر على جميع الانقسامات السياسية بين كبرى عشائر الأفغان كالهزار والبشتون، وهناك بدا بتأسيس القاعدة من منطلق فكري ومن ثم سلاحي.بعد ان غرس ومجاهدي الخليج العربي المذهب الوهابي السلفي في افغانستان،وقلص قوى المهذب الصوفي والشيعي،  وتمكن فعليا وداخليا من حكم حركة طالبان، حتى لو كان الملا عمر هو الظاهر للعيان فان ابن لادن هو الحاكم والموجه وحتى الأب الجهادي،الذي كان يدير طالبان.وتجنبا للقبلية الأفغانية ظل ابن لادن في الظل.

آمن ابن لادن بان الهجوم الواسع على الغرب والحكومات العربية لا يمكن تحقيقه من أفغانستان وقدرته لا يمكن أن تحقق له ذلك الحلم الذي يبدأ حيث أتباعه ومعسكراتهم، وينتهي بفرض سيطرته على السعودية ومن ثم فلسطين، فقرر صناعة الصدام الفردي عبر العمليات التي تحتاج إلى أفراد أو عشرات تنفذها خلايا معدودة، ونجح عبر ذلك باختراق العواصم العربية وهز منهاتن فيما عجزت عن تحقيق ذلك الجيوش العالمية في اكبر نوعية نفذتها مليشيا وان كنت لليوم لا اصدق تلك الرواية وحيثياتها غير المعقولة .

ذلك النجاح الذي جعل من ابن لادن والقاعدة أسطورتين تاريخيين ، جلبا السلبيات اكبر من الايجابيات، والويل والدمار ، لان القاعدة تعتمد على العقل العاطفي المتسرع والذي لا يعود لمرجعيات متنوعة سياسية وإستراتجية،  لان ضرب المدنيين واستهداف الأماكن العامة البس بالقاعدة وصمة الإرهاب، وهذا ما حدث فعلا عندما كان ضحايا القاعدة من المدنيين أكثر بكثير من العسكريين، ذلك أنهم كانوا يفشلون بصناعة اختراق للاماكن العسكرية لقلة عدد المنفذين للعمليات، واستعمالهم لأسلحة ومواد تفجير بسيطة جدا، ، وعندما بدأت القاعدة تحارب كجيش ومليشيات منظمة لديها عتاد متطور بعد الحرب الأمريكية على أفغانستان ومن ثم في احتلال العراق ، كان مسمى القاعدة مشوها ومحارب غربيا وعالميا، ولكنه في الواقع يحظى بشعبية عربية مخفية كبيرة، فقد غطت حرب القاعدة لأمريكا على استهدافهم للمدنين .

لا يمكن قبول أي انتصار لأمريكا باغتيال ابن لادن، فدولة عالمية تفوق كل جيوش العالم قدرة وعلما احتاجت لعشرة أعوام كاملة للوصول إلى مكانه، ولم تستطع حتى الاحتفاظ بجثته فقامت برميها في البحر، ودل مكان إقامته على خطا كل التوقعات الاستخبارية  السابقة، الأمريكية والعالمية ، الذين كانوا يقولون انه في احد جبال تورا بورا، ومع أن هناك شكوك واسعة وكبيرة في الرواية الأمريكية.

قتل ابن لادن متزامنا مع سقوط دول عربية عدة، وقد أثلج صدره وهو يشاهد الشعوب العربية تنتفض أخيرا، وتخلع حكامها، وقد يكون ابن لادن راجع الكثير من طرقه للعنف وهو يرى أن الشعوب فعلت ذلك دون تفجير أو اللجوء إلى الشرق الأقصى بل في توحيد الفكرة واستعمال قوى الشارع وليس الحازم الناسف.

ترك ابن لادن عمليات إرهابية مؤلمة ضرت عواصم عربية ومدنية وجرت حروب وويلات على المنطقة وحدث خلاف  بينه وبين ابو مصعب الزرقازي في إرهاب لا يمكن قبوله في العراق وخاصة تلك التي استهدفت المدنيين والشيعة ومن ثم القوى العشائرية والصحوة، ولكن حربه لأمريكا اكسبه شعبية كبيرة مختبةئ في ما وراء الضلوع، بينما غادر الحكام العرب بقوى ارهابية ضد شعوبهم تفوق بآلاف المرات ما فعلته القاعدة بالمدنيين، ولكنهم سقطوا في المشروع السياسي، لذا ستكتشف أمريكا عبر سفرائها أن الشعوب العربية بالداخل، حزنت على مقتل ابن لادن على يد أمريكا ولكنها صفقت لأيام بسقوط حلفاء أمريكا كحسني مبارك وزين العابدين بن علي وقريبا علي عبدالله صالح، أو مهرج الثورة معمر القذافي.

المشروع الأمريكي سقط، ولم تظهر أي مظاهرة عربية في أي عاصمة فرحا بسقوط زعيم الإرهاب كم سعت أمريكا لغرس هذه الفكرة، عبر عشرة أعوام، وخلع فيها حلفاء أمريكا، واليوم أصبحت هناك شعوب لا تريد تفجير نفسها كأتباع ابن لادن وإزهاق أرواحها سدى، ولا تود بالحل ألمسترع والموت لأجل قتل الآخرين، بل لديها المعرفة وحلم الحرية وإسلام لأجل السلام.

 

الحرب بين الغرب والقاعدة لم ولن تنتهي ،بمقتل ابن لادن ولا اريد هنا ان أتعمق في صناعة القاعدة او تضخيم ابن لادن بقدر التركيز على فكرة بان أمريكا صنعت تاريخ كبير لابن لادن عندما قتلته هي فلو كانت هذه الدولة ذكية لادعت مثلا أن قوات باكستانية قتلته، ولكنه فشلت في إعلان المكان ، والطريقة، وبقي أن أقول أن فكر القاعدة يرتبط زمنيا مع السلف أي القرون الثلاثة الأولى، وابن لادن فقد إدارته الحقيقية منذ غزو أمريكا لأفغانستان وخاضت القاعدة حربا خاصة به بالا يقتل أو يؤسر، وانهي بالنقطة الأهم إن القاعدة فلسفة شعبية للانتقام وليس تنظيم ديني أو سياسي ، فهي مليشيا غير مرتبطة امنيا أو تعتمد على المركزية بقدر الانطلاق من أي مكان في العالم لضرب من تجدهم القاعدة بأنهم أعداء بغض النظر عن إمكانيات أو قدرة الخليات المنفذة وهذا لا يحتاج إلى خطط او تمويل كبير ،أو حتى  تربية سياسية أو عقيدية أو عسكرية طويلة المدى.

Omar_shaheen78@yahoo.com