ماذا بعد عمليات بروكسل الإرهابية؟

وقعت العمليات الإرهابية في بروكسل بعد وقت ليس ببعيد عن تفجيرات باريس الدامية، الأهداف في بروكسل كانت مؤلمة وذات دلالات سياسية؛ المطار، محطة القطارات التي لا تبعد كثيراً عن مقر الاتحاد الأوروبي. رسائل تنظيم "داعش" الإرهابي وصلت ليس لعاصمة الاتحاد الأوروبي وإنما لكل دولها، وهي تقول "إلقاء القبض على الرأس المدبر لعمليات باريس لن يوقفنا وستدفعون الثمن مضاعفاً"!
الدول الأوروبية تعيش حالة هلع، فقد استيقظت بعد أشهر من الضربات الجوية لداعش في العراق وسورية لتجدهم في عمق مدنها يستهدفونها بالأحزمة الناسفة التي يمتشقها رجال يحملون جنسياتهم، وهذا هو الأكثر رعباً في الأمر، فكيف سيكتشفونهم وهم يعيشون بينهم ويحكون حتى لغتهم، هم ليسوا عابرين!
في العامين الماضيين من استهداف المجتمع الدولي لداعش، كان التنظيم الذي يحوز الأموال يعمل بشكل متسارع على استقطاب المجندين له في دول أوروبا، وخاصة ممن يحملون جنسيات هذه البلدان، ولم يركز على اللاجئين وإن كان من بين هؤلاء من يؤمن بفكر داعش ويعمل معه بعد أن ذوت "القاعدة" وحل بدلاً منها داعش بدمويته التي لا نظير لها.
المشكلة الأكثر تعقيداً من محاصرة "داعش" في امتداده الجغرافي والمدن التي سيطر عليها في سورية والعراق، والأنصار في دول الجوار العربي، الخطر في شريان المنتسبين له، والمعتنقين لأفكاره في كل مكان.
ماذا بعد عمليات بروكسل؛ أسئلة كثيرة تطرح، ماذا ستجني دول أوروبا ثمناً لحربها، ماذا سيحصل عليه العرب والمسلمون ممن يعيشون في المهجر الأوروبي ويحملون جنسيات هذه البلدان، ما هو مصير اللاجئين الذين تدفقوا لهذه الدول أملاً في ملاذ آمن وبحثاً عن لقمة الخبز وحياة كريمة في دول تؤمن بالتعايش وحقوق الإنسان وحقوق المهاجرين، وماذا علينا نحن في الأردن أن نعمل، وكيف نتعامل ونستعد بعد العملية الأمنية الاستباقية في إربد والتي أحبطت مخططاً إرهابياً لداعش؟!
أولى الملاحظات من الأردن ضرورة وجود بوابات الكترونية للسيارات التي تدخل حرم مطار الملكة علياء، فلا يكفي هذا التفتيش الأمني الشكلي بفتح الأبواب "والصندوق الخلفي" للسيارات، بل المطلوب بوابات الكترونية كاشفة لا تسبب ازدحاما ًلحركة المرور وهي فاعلة واستباقية وتقلل من المخاطر.
لا يتوقف الأمر عند حدود المطار بل أجد ضرورة الاهتمام بالوزارات والمؤسسات العامة، فالبوابات الالكترونية وجودها شكلي ولا نجد من يهتم بها، والمطلوب التدقيق كما يحدث في فنادق الخمس نجوم، فلا نحتاج أن نكتوي بنيران الإرهاب حتى نتعلم!
خارج حدودنا بالتأكيد سيكون العرب والمسلمون أولى الضحايا للعمليات الإرهابية، صعود اليمين المتطرف في أوروبا وأميركا تزداد فرصه، وموجات العداء ستأخذ مداها، وباعتقادي أن الاتحاد الأوروبي على المحك وهو مهدد، واتفاقية "تشنجن" قد لا تصمد، فهناك دول تعتقد أنها السبب في عبور الإرهابيين لأراضيها حتى لو كانوا يحملون جوازات سفر أوروبية.
مزيد من التشدد قادم في الطريق لا محالة، والقبضة الأمنية ستتمدد، والحريات الشخصية ستنتهك، والمطارات ستصبح جحيماً لا يطاق في بلدان الغرب وخاصة لمن يوحي مظهره أو اسمه أنه عربي.
كثير من المعاهدات واتفاقيات حقوق الإنسان ستخضع للاختبار والمراجعة، والتذرع بالاعتبارات الأمنية سيدفع بعضا أو كثيرا من دول أوروبا لإغماض عينيها عن انتهاكات حقوق الإنسان في بلدانها، وبالتأكيد لن تفتح فمها أمام ما يحدث خارج حدودها.
اللاجئون سيكونون أمام أيام وأشهر وسنوات عصيبة، الحدود لن تفتح بوجوههم كما كانت، وستراجع ملفات كثيرين ممن منحوا حق اللجوء والإقامة وسيكونون عرضة للتضييق والتشدد، وربما تلجأ بعض الدول لترحيل بعض أو الكثير منهم، يكفي أن نتذكر أن قادة أوروبا وقبل عمليات بروكسل توصلوا لاتفاق مع تركيا لمنحها 6 مليارات يورو والإعفاء من تأشيرات "شينجن" لمواطنيها مقابل منع تدفق اللاجئين لبلدانها، والقادم أسوأ حكماً.
كل هذه الإجراءات لن تنهي مع الأسف صعود وتنامي الإرهاب سواء أكان وراءه داعش أو غيره، وسيظل العالم مهددا مالم تحل المشكلات من جذورها، وأولها غياب العدالة وسيادة القانون واستمرار حكم الطغاة، والسكوت عن الاحتلال وجرائمه كما تفعل اسرائيل، وبالطبع هذا الكلام لا يعطي ذرائع لمن يستخدمون الدين لنشر الظلام وقتل الناس، فهؤلاء أعداؤنا قبل أن يكونوا أعداءهم!