مال عام ومال حرام ..

في زمن «أغبر» كانت «مافيات» تعتاش من التربص بالمستثمرين على الحدود، لا أعني الحدود الجغرافية للمملكة ومعابرها الرئيسة فحسب، بل أيضا على حدود القوانين والتعليمات وفي عمق حدود الضمير التعبان، الغارق بالشللية والفساد والتنفيع.. كان زمنا أغبر بلا شك، ولست أعلم هل انقشع غباره حقا، أم ما زال يثور هيجانا في أفلاك المستثمرين والمتنفعين الذين يؤولون في نهاية المطاف إلى مستعمرين، حين يتربصون بنسب «مئوية» من أموال المستثمرين أو من مشاريع وهمية، تتدفق عليهم الأموال «القذرة» كأنهار من مال تنبع وتصب في «غسالات» تبييض الأموال بعد «تسويد» أزلي للضمائر التلفانة .
يوجد مال حرام من نوع آخر يصب في بعض الجيوب، يجثم على حدود أخرى، غير خاضعة لاختصاص الجهات الرقابية الأردنية.. سألتوني «شلون» ؟.. سأحدثكم عنهم قليلا:
قبل فترة أوردت هنا مثالا عن «أفكار» خلاقة، يقدمها غالبا نفر من بيننا، لكن الفرق أن لا أخلاق لديهم، ومع وجود جهات دولية تقدم دعما ماليا ولوجستيا لمشاريع من بنات أفكار أردنية، تدعم تغييرات في مجالات حياتية مختلفة، ذات أبعاد قانونية وإنسانية وفكرية وتنموية واجتماعية ..الخ، وكان المثال حديث تلفزيوني أورده شاب «مبادر» من تلك الفئة، يقول: مثلا لو بادر أحدهم بتقديم فكرة تتلخص بإحصاء اللاجئين السوريين في محافظته، سيلقى دعما ماليا من جهات دولية تساعده في تنفيذ الفكرة، والمثال عبارة عن «همسة» بل وشاية لأبسط طريقة في استجلاب مال من جهات مانحة (حسب عبقرية دونية بسيطة يمثلها الشاب المبادر المتحدث)، فهو واحد من جيل الاستجلاب والاستحلاب أيضا.
الآن؛ افتراضيا، إن الزمن ليس «أغبر»، لكن يوجد جهات أردنية «تطوعية» الطابع، تحوز على موافقات منظمات ودول مانحة للمال، بناء على أفكار يقدمها بعضهم، وأذكر مثلا :
يقوم بعضهم بتقديم فكرة تعتمد على إجراء مسوح سكانية، تشبه ما قامت به دائرة الاحصاءات العامة والتعداد مؤخرا، وهو المشروع الذي أيدناه لأنه سيتمخض عن قاعدة بيانات أردنية شاملة، يتم إنشاؤها للمرة الأولى، بموازنة تبلغ 23 مليون دينار، وهي منحة خارجية بالطبع، لكن الدائرة جهة رسمية، ولديها الحق بإجراء المسوح المذكورة، ومن مسؤوليتها توفير المعلومة للدولة ولمؤسساتها المعنية بتلك البيانات، لكن حين يتقدم أحدهم بفكرة لجهة دولية ويحوز موافقة ودعما بعشرات ومئات الآلاف من الدنانير، وفي الفكرة «التي أصبحت مشروعا مدعوما من الخارج» إجراء يتطلب توفير بيانات تشبه تلك التي وفرتها دائرة الاحصاءات العامة، فيقوم الشخص «الذكي» بالاستعانة ببيانات الاحصاءات العامة المذكورة، فيحصل على ما يريد، ويوفر نسبة كبيرة من الدعم المالي الذي كان يجب إنفاقه على المسح الميداني الحقيقي، وهي مبالغ قد تصل إلى عشرات ومئات الآلاف، يسيطر عليها الـ»باحث» الذكي، ويعتبرها مالا حلالا حصل عليه بسبب ذكائه الخارق..
هؤلاء؛ يجب أن لا يحصلوا على المعلومة من قبل مؤسسات الدولة بسهولة، فهم يستغلون الدولة بطريقة أسوأ من استغلال الموظف العام لوظيفته، ..
يجب التنبه لهذا المال الذي يتم السطو عليه من قبل لصوص، وهو فساد بغطاء من منظمات وجهات دولية.
أمس «كانوا بيشحدوا» علينا، واليوم يسرقون باسم مؤسساتنا الرسمية..
وباعوا فينا واشترونا وما حكينا.