هدية عيد الأم

تحتال عروبة على الراتب، فبعد معاناة تأخير الراتب، تفرح عائدة بين يديها عدة اوراق نقدية، تعبت وكدت في تحصيلها، تأخذها احلامها في شراء ثوب جديد لوالدتها تفرح قلبها في يوم، لأنها تعرف أنها لن تقدر على ذلك بقية أيام السنة! ولعلها تقدر على حذاء جديد لها لا بد ان تشتري لحما هذه المرة، تنسج من راتبها احلاما، فالمئة والتسعون دينارا صارت كفيلة لبناء احلام في عالم الفقر.
وصلت اخيرا لشارع منزلها...والفرحة تعلو شفتيها، رآها من بعيد الجار ابو جمعة عرف بخبرته من ضحكتها انها استلمت الراتب...استوقفها طالبا ايجار المنزل..مئة دينار مستعجلة...اعطته المئة دينار على مضض، وتابعت سيرها بنصف ضحكة.
مشت خطوتين، واذا بأبو جميل صاحب البقالة، يطلب منها سداد خمسين دينارا...حاجات اخذتها امها بالدين من البقالة طوال الشهر، لم يكن امامها الا ان تعطيه النقود ايضا على مضض وتتابع مسيرها ولكن بربع ضحكة.
هي خطوتان أخريان ورأها سعيد الصيدلاني الذي وعدته بدفع ثلاثين دينارا بدلا من الدواء الذي تأخذه لامها كل شهر، فلم تجد مهربا من الدفع ايضا..فالدواء ..دواء...
تابعت سيرها وقد علت شفتاها اشباه ضحكة..فلم يبق من الراتب الا عشرة دنانير...ومع ذلك احلام الفقير لا تنتهي...فبدأت تحدث نفسها عن طعم اللحم..لا بد أن اشتري لحما هذه المرة...منذ زمن لم تذق أمي طعمه .... وما ان فتحت الباب حتى رأت بائع الغاز يحمل اسطوانة الغاز..وامها وطنية تقول بلهجة الغريق: يمه يا عروبة...جيتي والله جابك ....هاتي عشر ليرات حق جرة الغاز..ما لقيتش معي الا نيرتين بس..بيكفنش...
رسمت عروبة على وجهها بقايا ضحكة...واخرجت العشر دنانير من محفظتها...القت عليها تحية الوداع...وغادرت بقايا الابتسامة..مع بقايا الراتب.... واخذت ترسم من جديد احلاما..للراتب الجديد...كل راتب وانتم بخير؟!! كل عام ونحن نحلم بهدية للأم...كل عام وجيوبنا نهب للفاسدين!