مامكغ ووزارة الثقافة.. والمتصيدون!

لا أدري لماذا أشعر باستمرار أن هناك جهة أو أشخاصا يدفعون، بطرق خفية، لتبقى هناك حملة مستمرة ضد وزيرة الثقافة لانا مامكغ!
في الحقيقة، كنت كتبت منتقدا بعض الأمور التي نفذتها الوزارة أو أشرفت على تنفيذها، لكن هذا لا يعني، بأي حال من الأحوال، أن نندرج في حملة ضد شخص الوزيرة، ولا أن نقوم بليّ عنق الحقيقة من أجل أن ننفذ أجنداتنا، أو "نسوّق” مصالحنا، بإيهام كبير أنها مصالح الوسط الثقافي المحلي نفسه.
لا أريد التعليق على الحملة المنظمة التي تمت إدارتها بجهود كبيرة غير مباركة، حول تصريحات الوزيرة التي تم اجتزاؤها بخصوص إلغاء وزارة الثقافة. فبعض من كتبوا في هذا الأمر، دخلت كتاباتهم في باب الشتم والسباب، وابتعدوا عن النقد الذي ينبغي أن يكون موضوعيا ونزيها وأخلاقيا، ومترفعا عن التكسب والمصالح الذاتية والعلاقاتية.
بحكم عملي الطويل في المجال الثقافي، عاصرت وزارة الثقافة لزهاء ربع قرن. وفي كل الأحوال، لن تكون مامكغ أسوأ من تقلد منصبها، بل على العكس تماما؛ إذ إنها اتخذت قرارات جريئة وشجاعة، ينبغي أن نحني رؤوسنا شكرا لها.
واحد من أوجه النقد الشرسة التي توجه إلى لانا مامكغ، هو اعتمادها مبدأ التقشف في كثير من الملفات التي تديرها الوزارة. فهل كانت على خطأ في هذا الأمر؟
يكفي أن نقول إنها أقفلت باب "مزرعة التفرغ الإبداعي”؛ وهو المشروع الذي تم إفراغه من محتواه قبل أن تأتي الوزيرة إلى المنصب، وبات سبيلا إلى "التنفيع”، أكثر منه مؤشرا على المبدعين الحقيقيين في الأردن.
أما النشر، فيكفي أن ننظر إلى العناوين التي رمتها الوزارة في وجوهنا، لندرك كم هو مشروع غير جاد ولا يعكس حقيقة الإبداع والتأليف لدينا؛ إذ إن بعضها لا يرقى إلى أن يكون محتواه مناسبا لمجلات الحائط المدرسية.
ينبغي لنا، كذلك، أن نتحدث عن المدن الثقافية التي أفرغت، هي الأخرى، من محتواها والهدف الذي تأسست من أجله. ولو أنني مكان السيدة الوزيرة لأطحت بهذا المشروع غير الناجح، والذي بات "مزرعة” أخرى للتنفيعات الصغيرة، والفعاليات التي لا يمت كثير منها إلى الثقافة بصلة.
علاقتي بالسيدة الوزيرة محدودة جدا، وأظن أنني لم ألتقها منذ زمالتنا في صحيفة "الرأي”. كما أنني، ومنذ سنوات طويلة، لم أنفذ أي مشروع للوزارة ولا على نفقتها، ولا توجهت إليها بأي طلب في هذا السياق. لذلك، لا يمكن اتهامي بأنني متكسب من الوزارة حين أتصدى للرد على الحملة الظالمة التي تطال ليس فقط منصب الوزيرة، وإنما شخصها أيضا.
نعم، هناك ما يمكن الحديث عنه من نقد موضوعي نزيه تجاه عمل الوزارة ككل. ولكن ذلك ينبغي أن يأتي من أجل محاولة تصحيح المسار، لا من باب محاولة "الاغتيال”، والإيهام بأن هناك ما يشبه "حالة عامّة” بأن المثقفين يرفضون وجود مامكغ، ويرونها غير مؤهلة لقيادة وزارتهم.
حتى عند الاختلاف، يتوجب علينا أن نكون موضوعيين وأخلاقيين، وأن نوجه النقد إلى العمل لا إلى الأشخاص. لكن، في الختام، أحب أن أؤكد على أمر ضروري؛ فإن كانت مامكغ قد دعت إلى إلغاء وزارة الثقافة، فأنا أؤيدها تماما في هذه الدعوة، فالوزارة بصيغتها الحالية التي سارت عليها منذ أكثر من عقد، هي وزارة خَرِبَة، وعالة على موازنة البلد. وفي هذه الحالة، يمكن إلحاق الموظفين بوزارة أخرى. أما الذين انقطعت "أرزاقهم”، فبإمكانهم بدء رحلة البحث عن وزارة أخرى لـ”امتصاص” دمها من جديد.