هل نحرم أبناءنا من الدراسة في الخارج؟

أخبار البلد -

يتذرّع كثير من المعنيين بالتعليم العالي في الأردن في دعوتهم للتوسّع في القبول الجامعي في جامعاتنا الأردنيّة، بحجّة أنّ عدم التوسّع قد يدفع أبناءنا إلى الذهاب للخارج من أجل إكمال دراستهم الجامعية، وأننا بذلك نخسر أموالاً طائلة كان الأولى بها أن تبقى داخل الأردنّ.

إنّ هذه الفكرة –من وجهة نظري- خاطئة بامتياز، إذ الأصل أن نشجع أبناءنا –متى كانوا مقتدرين- على الدراسة في الجامعات العالمية المشهورة غرباً وشرقاً، فنحن أحوج ما نكون، ونحن نسعى إلى التطوّر والبناء والتنمية، إلى الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى وخبراتها وإنجازاتها العلمية، ولا يكون ذلك إلاّ بتشجيع أبنائنا على الالتحاق بجامعات تلك الأمم والأخذ من كبار علمائها وأساتذتها. ومهما كان مستوى الطالب الذي يدرس في الخارج فإنه عندما يعود إلى الأردنّ لا بدّ أن يحمل معه شيئاً جديداً حتّى لو كان فكرة صغيرة، لكنّ مجموع هذه الأفكار الصغيرة لا بدّ في النهاية أن تشكّل شيئاً كبيراً.
إنّ المال الذي ينفق في سبيل التعلّم في الخارج ليس مالاً مهدوراً، بل هو لقاء فائدة يحصل عليها الطالب ويحصل عليها المجتمع الذي ينتمي إليه هذا الطالب.
وقد أثبت هذا النهج جدواه الكبيرة قديماً وحديثاً ففي أيّام الخلافة الأموية والخلافة العباسيّة وأيّام الحكم العربيّ للأندلس كان الأمراء والخلفاء يوجّهون العلماء إلى أقطار الأرض لجمع الكتب في مختلف العلوم من أجل العودة بها إلى بلدانهم وترجمتها والاستفادة منها، وبذلك تألقت حضارة العرب قديماً.
وكانوا ينفقون أموالاً طائلة لقاء الحصول على هذه الكتب والمعارف وترجمتها ومكافأة من يقومون بذلك، ولم يكونوا يخشون من تبديد الأموال في سبيل ذلك، لأنهم كانوا يدركون أنّ ما يحصّلونه من العلم والمعرفة ويضيفونه إلى رصيدهم الحضاري لا يقاس بثمن.
أمّا أن نحثّ أبناءنا على أن يدرسوا المراحل الدراسية كافّة من الروضة وحتّى الدكتوراه في مكان واحد، فإن ذلك ممّا يحرمهم من الهواء المتجدّد ومن فرص الاستفادة من أشكال التقدّم العلمي والحضاري الذي يشهده العالم في قاراته الأربع. ولهذا السبب سنّت الجامعات الأردنيّة سنّةً حميدة بإيفاد الطلبة المتفوّقين إلى جامعات عالميّة لإكمال دراساتهم العليا والعودة بمحصول علمي جديد ينشرونه في جامعاتهم وبين طلبتهم.