نوابكم ليسوا لكم

من المرجّح أن سعادة النائب المحترم نام ليلَه الطويل، بعد أن طلب ردّ مشروع قانون الحماية من العنف الأسري. ومن المرجّح أنه في تلك الليلة رَكَلَ رجلٌ زوجته في بطنها أو رشقها "بكاسة شاي ساخن" في وجهها، أو أن طفلاً سابعاً سينضم إلى أقرانه الستة الذين قضوا العام الماضي نتيجة العنف الأسري.
العنف الأسري في مجتمعنا لم يَعُد سراً، ولا هو دراما من نسج الخيال، وإن دفن الرأس في نظرية المؤامرة، وإلقاء اللوم على المنظمات الأجنبية، صارا أسطوانة مشروخة، لن تساعد في حماية الأسرة ولا في تحقيق أمن المجتمع، ذلك أن الإحصاءات المنشورة تُثبت وجود مشكلة حقيقية متفاقمة للعنف الأسري، وأن أغلب ضحايا هذا العنف هم الأطفال والنساء.
فهل يعلم النواب المحترمون أن وزارة التنمية الاجتماعية، وحسب تصريحات منشورة لمسؤولي الوزارة، تتعامل مع أربعة آلاف حالة عنف أسري سنوياً، نصفها من النساء والنصف الثاني من الأطفال؛ وأنه حسب إحصاءات منشورة أيضاً، فإن وحدة حماية الأسرة تتعامل مع حوالي خمسة وعشرين ألف حالة عنف أسري، سجلت لديها على مدى سنوات عملها؟ علماً أن العاملين في مجال حماية الأسرة يؤكدون أن نسبة ما يتم التبليغ عنه من حالات العنف الأسري تقل بأضعاف عن الحالات التي تقع فعلاً في الواقع.
في ضوء هذه الحقائق، نسأل النواب المحترمين الذين طالبوا برد مشروع قانون الحماية من العنف الأسري: عن أي أسرة يدافعون؛ عن أسرة مفككة يضرب فيها الزوج زوجته ليل نهار، أم عن أب قاتل لابنه أو ابنته؟! كما نسأل أيضاً: لمصلحة من نطلب التستر -بحجة خصوصية الأسرة- على همجية أشخاص فقدوا إنسانيتهم ووالديتهم وهم يعتدون على أطفال رضع أو بنات في أول العمر؟!
لا شك أن الحفاظ على الأسرة وخصوصيتها هو حفاظ على المجتمع. لكن الحفاظ على تلك الأسرة يوجب، أيضاً، أن يردع القانون من يعتدي على الأسرة من أعضائها، وإن كان أباً أو أماً أو قريباً. وهذا الردع قد يساهم فيه الوعي والأخلاق والدين، ولكن مصدر الحماية الأساسي يجب أن ينهض به قانونٌ يؤمن الأسرة من المعتدي بإجراءات عاجلة واضحة، وإلّا هل يرغب النواب في أن نطلب من طفل يحرقه والده بالنار -وهذه واقعة حقيقية- أن يصبر لحين يرجع الوالد لأخلاقه ودينه؟
حسناً فعلت الحكومة، حين نظرت في قانون الحماية من العنف الأسري، محاولةً تجاوز قصوره الواضح عن الحد من تفشي العنف الأسري. نعم؛ قانون الحماية من العنف الأسري النافذ والصادر العام 2008، بحاجة لتعديل لغايات تشجيع التبليغ عن حالات العنف الأسري، وخاصة على النساء والأطفال، وتفعيل دور لجان الوفاق الأسري التي تهدف لمحاولة حل مشاكل الأسرة بعيداً عن القضاء، ولتحقيق وفرض تنسيق وتجاوب سريعين بين المؤسسات الأمنية والحمائية والقضائية، وهو ما تهدف إليه وزارة التنمية الاجتماعية والمجلس الوطني لحماية الأسرة من وراء مشروع تعديل القانون.
إن المجتمعات الحية لا تدفن رأسها في الرمال، وتنهض للاعتراف بأي مظاهر سلبية تلحق بمجتمعها، وتعالج بعلمية وشفافية تلك السلبيات، فما بالك إن كانت تلك السلبيات تلحق بالأسرة التي هي عماد المجتمع والوطن. ولهذا، ندعو السادة النواب المحترمين إلى الوقوف مع تعديل هذا القانون، ومع كل إجراء لازم لحماية الأسرة، بما في ذلك تعظيم ميزانية وزارة التنمية لتستطيع تأمين الكادر البشري والفني لتحسين عمل دور الرعاية، ونشر التوعية والوعي الاجتماعي للحد من العنف الأسري.
بقي أن نتذكر مقولة جبران المشهورة: "أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة. وهم بهذا أبناء المجتمع والوطن، وحمايتهم من القريب قبل الغريب واجب وطني وإنساني". كما نقول بأسفٍ جم للمعنفات والمعنفين من النساء والأطفال: إن بعض نوابكم ليسوا لكم.