أردوغان إذ يدعو إلى «سفر برلك».. أمني!

غَضَبُ الرئيس التركي رجب طيب اردوغان.. وصل ذروته، بعد ان ولغ «الارهابيون» في دم الاتراك والسائحين والمقيمين في مدن تركية عديدة وخصوصا العاصمة السياسية «أنقرة» وتلك الأشهر ذات المركز المرموق سياحياً (واقتصادياً بالطبع) اسطنبول. ولأن اردوغان يُسارِع الى حصر اتهاماته في تنظيمين لا يرى فرقا جوهريا بينهما، وهما اولا ودائما حزب العمال الكردستاني التركي PKK، بزعامة عبدالله أوجلان، سجين جزيرة ايمرالي الوحيد منذ سبعة عشر عاماً (وامتداده السوري لاحقاً حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وقوات حماية الشعب, ذراعه العسكري YPG وخصوصا بعد اعلان فيدرالية «روج آفا» في شمال سوريا التي رفضتها انقرة على نحو حاسم).. والآخر تنظيم داعش الذي قالت السلطة التركية ان منفذ اعتداء شارع الاستقلال في اسطنبول هو من اعضاء هذا التنظيم, فان من الضروري الان, الاضاءة على تطورات المشهد التركي الداخلي الذي بدأ يأخذ مسارا مختلفا على نحو جذري، منذ ان اخذت موجة العنف والارهاب بالتصاعد وفق خطط مُبرمَجة, يصعب القول انها بنت اللحظة او مجرد رد فعل على خطوات او قرارات ما, اتخذتها سلطات انقرة تجاه احدهما (او كليهما) والمقصود هنا داعش وليس حزب العمال, الذي اعلن انتهاء الهدنة التي اعلنها من طرف واحد، بعد ان اتهم انقرة بأنها ادارت ظهرها لعملية «السلام» التي اتخذتها مجرد ذريعة او وسيلة لجذب المزيد من الاصوات لصالح اردوغان وحزبه, سواء في الانتخابات الرئاسية ام البلدية وخصوصا البرلمانية في دورتي 10 حزيران 2015 والتي تآمر عليها اردوغان واوغلو, على ما يقول الكرد والمعارضة التركية, وتلك المُبكِرَة التي جرت في 3 تشرين الثاني الماضي وعادت بالفائدة على حزب العدالة والتنمية, عندما تمكّن من خلالها تشكيل حكومة «منفردة» وإن كانت المقاعد التي حصل عليها لم تُؤهِله للحصول على نسبة الثلثين لتعديل الدستور وتحويل النظام البرلماني الى رئاسي, او 335 مقعدا لتمنحه الفرصة لطرح التعديلات المطلوبة على استفتاء شعبي.
ما علينا..
ارتفعت نبرة الوعيد والتهديدات التي أطلقها الرئيس اردوغان، ولم يترك اي شعار او وسيلة او جهد لحشد التأييد الشعبي والايحاء بان تركيا تُواجِه «احدى اكبر موجات الارهاب في تاريخها» حاثّاً مواطنيه على استذكار عظمة السلطنة العثمانية، في الوقت ذاته الذي دعا فيه الى «سفربرلك» امني، أي حال طوارئ كما في المصطلحات العصرية ,او النفير العام الذي يُدعى اليه في حال الحرب الوطنية, التي تستدعي حشد جميع الطاقات والامكانات لمواجهة الاعداء وتحقيق النصر.
كل هذا يمكن ان يندرج في الاطار التعبوي, اكثر مما يفضي الى حلول جذرية او يُعفي من المسؤولية السياسية ازاء الاخطاء التي ارتُكبت او تلك الممارسات التي ما تزال تُمارس على الصعيدين الداخلي وخصوصاً الخارجي والدور التركي في ازمات المنطقة والحرائق المشتعلة فيها وعلى تخومها، والتي كانت انقرة وما تزال جزءاً من مسببي تواصل اكلافها والاحتمالات المفتوحة لكل ما يجري، على امن واستقرار الدول المُجاوِرة لتلك الدول التي تعصف بها هذه الازمات , وفي مقدمتها ما يحدث في سوريا والى حد بعيد العراق, فضلاً عن مسألة اللاجئين والاتفاق الاخير بين انقرة وبروكسل (الاتحاد الاوروبي) خصوصاً بعد ان تخلّى الاخير (الاتحاد الاوروبي) عن كل «قيمه» الديمقراطية والاخلاقية والحضارية التي زعم انها هي التي «تُفرِّقُه» عن باقي دول العالم, وبخاصة ازاء حقوق الانسان وحق اللجوء الانساني غير الخاضع للابتزاز او المساومة او عقد الصفقات التي لا تُكَلِّفه سوى بضع مليارات من الدولارات, فيما يبقى اللاجئون اسرى ورهائن للمُتَّجِرين بالبشر والساعين لحل مشاكلهم السياسية والإقتصادية, على استمرار بؤس هؤلاء وتواصل معاناتهم.
«داعش» انقلب على صانعيه ورُعاته، وراح يضرب في كل الاتجاهات ويتفنن في اساليب القتل والارتكابات والفظائع التي يُقارفها ولم يعد يتردد في توجيه المزيد من الانذارات, بأنه سيُواصل جرائمه وشروره. لهذا بات من الضروري ,وضع حد لهذا «التمرُّد» الذي لم يكن في بال الرعاة والممولين والمُسلِّحين عندما احتضنوه, ولم تكن تركيا بعيدة عن المشهد وتفاصيل ما يحدث مباشرة او عبر وكلاء، وبالتالي فان اغلاق الحدود التركية هو السبيل الأول وربما الانجع والأسرع, لضرب داعش ومحاصرَتِه ثم الالتفات لملاحقة خلاياه النائمة وتلك التي في طور الإعداد لتنفيذ العمليات لاحقة.
لم تعد مسألة ضبط داعش عملية مُعقدة او مستحيلة.. رغم صعوبتها, اذا ما نفض رعاتها ايديهم منه، واذا ما تعاونوا مع الدول المجاورة كافة, من اجل تبادل المعلومات وضرب مراكز قياداته وسيطرتها وتجفيف منابعها بجدية وصدق، بعيداً عن المناورة والتزلف ومحاولة استثماره، لاثارة الفوضى والمذابح في دول اخرى، لأن ليس ثمة ارهاب جيد وارهاب سيء، فالارهاب هو الارهاب، واهدافه وخطابه ومقارفاته واحدة وان كانت بأساليب مختلفة.
..هل رأيتم بشاعة وهول ما حدث في بروكسل.. يوم أمس؟