الثقافة يا وزيرة الثقافة!

أحياناً أتساءل: لمَ شخصٌ في درجة عالية من الذكاء يختار معاونين له أو معاونات، وأحياناً شريكاً أو شريكة، على النقيض من ذاك الذكاء؟ وليس لهذه المقدمة علاقةٌ بما سيأتي، ولكنّها فكرةٌ تلحّ عليّ أحياناً إلى درجة أني لا أجد مناصاً من زجّها فيما أكتب، وتلقّي إجابات أعرف بعضها، وأتوقع بعضها الآخر. وإذا ما كانت الثقافة كعنوان لإبداع فكريّ وحسيّ وأدبيّ وفنيّ، ليست في بال مديريها أو مديراتها سوى مزاج أهلها، وحساسية أصحابها، فيمكنُ أن أخلص إلى أن الثقافة قد هانت إلى درجة أكبر بكثير من دورها الجوهريّ في النهوض ببلد، وأصغر بكثير من ذلك المعاون الذي اختاره شخصٌ شديد الذكاء فكان على السفح المقابل.
أجل! برغم إبر الأمل التي أحقنُ نفسي بها يومياً، لكي أتحمّل هذا الواقع الهزيل والكئيب بل والمخيف، إلا أنّ الثقافة تبدو في أيدٍ هازلة في الجدّ، ومستهترة بالمصائر. فبدل الدفع باتجاه أن تصبح وزارة الثقافة وزارة سياديّة، هي والتعليم (وهما وزارتان في المحنة)، لعمل صدّادات أمانٍ من العري السياسيّ العربي والعالميّ والانفجار الأيديولوجيّ البؤريّ الشرير، وإنشاء خلايا جديدة وسليمة من التمتّع بالحياة وبنائها على نحو خلاق، ها هي معالي الوزارة تقصقصُ وتمحو وتحذف، كأنّها بصدد نصّ ركيك، وهي من ستضخُّ فيه البلاغة. فإذا كانت الوزارة تشكو وتئنُّ تحت وطأة التراخي والكسل، فهي أيضاً من يئنّ تحت وطأة السياسات المقحمة والإدارة الاستعراضية. 
فبعد ثلاث سنوات من الحكم غير الرشيد، نجحت معاليها في هدم ما بناه سابقوها (على تواضعه بالنسبة للنظرة الكليّة للثقافة ودورها المتجدد)، كما نجحت في تشريد أهمّ الأفكار التي يمكنُ أن تخلق واقعاً جديداً. وتجاهلت جميع الرؤى التي طرحها أهل اختصاص فيما ينبغي أن يكون عليه همُّ الثقافة الأول في هذه المرحلة المتجهّمة. واقتصر عملُها على "أكم" مشروعٍ استعراضيّ ليس آخرها "غابة الإبداع" الذي ظهر في السياق العام مثل مزحة. أجل.. فتقصيرُ معاليها تجاه فعلٍ ثقافيّ حقيقيّ وفعّال، وتجاه قامات الثقافة وما تمثّله، مثل الموقف الغريب من رحيل القاص العلَم وسينياريست الصف الأول والكاتب المسرحي الفذ جمال أبو حمدان، لا يمحوه "تكريم" أهل الإبداع بالجملة، فجأةً، وقبل الرحيل، في هذه الغابة الارتجالية، التي اختلطت فيها أسماء الكبار مع الصغار، وبدت فيه المنطقة المختارة ممتلئة بما يشبه شواهد القبور! 
وبعد كلّ ذلك، يبدو الحديث حول ما كانت تستطيع معاليها فعله، من ضخِّ الشغف في العمل، وتحرير الإبداع من قيود البيروقراطية، وتنشيط الهمم باتجاه معنى جديدٍ ومنعشٍ للثقافة، بدل التلويح بسيف مثلَّمٍ صَدِئ تردُّ به على كل من انتقدها وخالفها ولم يمش في موكبها، ألا وهو "إلغاءُ وزارة الثقافة". ويأتي التبرير سوريالياً "بسبب صعوبة التعامل مع المثقفين وحساسيتهم المفرطة". وغنيٌّ عن القول، أن ما فاهت به معاليها لهو استعداءٌ صريح للثقافة نفسها، واعترافٌ غير موارب بفشل معاليها في تقديم شيء ذي قيمة حقيقيّة، حتى لو امتلأ الإعلام كلُّه بصورها وأخبار تحركاتها! 
ويا أمل أين نجدك؟